Wednesday, April 21, 2010

مراجعات....1-؟ أسود وآكلات جيف



ربما علي أن أبدأ هذه المدونة بأعتذار، بل ربما بحزمة من الإعتذارات، أولا للقلة الوفية من قرائي الذين أخلفت وعودي لهم وأطلت الغياب عن المدونه وثانيا للقراء الذين أنتظروا الجزء الثاني من التدونية السابقه ( نصل أوكام البتار) وطال أنتظارهم، وثالثا : للأعزاء الذين شرفوا مدونتي بتعليقاتهم ولم أجيب تعليقاتهم سوى بالصمت، ورابعا لكل الرءوس الخاوية الفاشية التي لوثت مدونتي بتعليقاتها الرديئة غير الإنسانيه على تدوينتي السابقة حول الصراع الكروي المصري الجزائري التافه، تلك هي إعتذاراتي وأرجو قبولها.

لماذا الصمت؟
أحيانا تصمت لأنك لا تجد ما تقوله، أو لأنك غير راغب في التواصل، أو ...لأنك تخشى الأفكار التي في رأسك أن تتحول لكلمات وتكتسب حياتها الخاصة، لأنك تدرك كم أفكارك تخيفك، فكيف إن أكتست لحم ودم الكلمات؟

أنا صمت أولا لأنني أحسست بوطأة حتمية إكمال تدوينة (نصل أوكام البتار) بينما تجاوزها عقلي بمسافات شاسعه، وأصدقكم القول أنني أعملت نصل أوكام على التدوينة فوجدت أن الأصوب هو عدم إكمالها، فالقضية التي كانت تناقشها هي قضية جزئية جدا، كما أنها قضية بسيطة لأقصى حد، قضية أقتصادية تجارية في أصلها وفروعها، قضية من يمتلكون المال ويشترون به الوجاهة الإجتماعية المصاحبة لكلمة (أديب) أو صاحب كتاب، وكما أن الطلب يخلق السوق، فقد تلقاهم جمع من (منتجي الكتب) أو (سماسرة الطباعه) وأنتهى الموضوع، فلا معنى ولا هدف ولا قيمة، فقط ليس إلا

السيرك السياسي:
لا أخفي أنني أستمتع بما يجرى من ألاعيب سياسية في هذا الوطن المصاب في صفوته، تلك الألاعيب التي تكاد تستحيل سيركا متكاملا لا ينقصه سوى الخيمة، إلا أنه ليس بالسيرك المسلي، فهو كثير المهرجين يعتمد على لاعبين من الهواة والمتقاعدين لا يسلون ولا يبرعون، أتسائل هل علي أن أدلو بدلوي في هذه الهستيريا التي يلتف فيها بقايا الطبقة المتوسطة المتحللة في تحالف مع بقايا المهرجين السياسيين وتجار الشعارات حول راية (البرادعي) ذلك المجهول الأتي من منظمة دولية بيروقراطية والذي قرر تسلية تقاعده بلعبة السياسة بدلا من لعب الطاوله في النادي تحت الشمسيه، والذي لم يقدم برنامجا سياسيا ولا خطة عمل ألهم إلا المطالبة (النخبويه) بتعديل مواد في دستور هو بالحقيقة مسخ مشوه وسخف مقيم لا يستحق سوى الإلغاء بكليته وتحويل نسخه لقراطيس ترمس وتسالي.

من أين نبدأ؟
نبدأ من الشيء الأكثر أساسية وحتميه، من العروس التي يطلب الجميع ودها، ومن الجائزة الكبرى التي يسعى الجميع إليها، نبدأ من (الوطن) ، هل يختلف اثنان على (الوطن)؟ ، وأننا جميعا مواطنوه وأبنائه وأننا جميعا نعيش تحت ظله ؟ تلك يا أعزائي، فكرة ميتافيزيقة زائفه، ووهم أسطوري سخيف مثله كمثل الغول والعنقاء والسياسي الشريف، الوطن فكرة صورية رمزية زائفه، ذلك المكان الذي تتوحد فيه مصالحنا جميعا، وتتلاقى أمالنا كلنا، هو مكان لا وجود له، لأن مصر ليست واحده، والمصريون كأمة لا تتحد مصالحهم ولا تتطابق ، ومصر ليست واحده، بل عدة وكثره، فمصر بورتومارينا ليست مصر القرى الصغيرة، ومصر قصور الرحاب وفلل شرم الشيخ ليست مصر الحواري والعشوائيات، ووطن الذين يملئون أحواض السباحة في قصورهم، ليس وطن الذين يملئون الجراكن من التنكات ليجدوا ما يصنعوا به شايهم الأسود المغلي، هؤلاء لا يتفقون مع هؤلاء ولا يتحدون معهم لا في مطلب ولا في طموح، تلك دول مختلفة وإن جمعها حيزمكاني مختلف، وعصور متفاوتة وإن جمعها حيز زمني واحد
لكن هل الأمر بهذه البساطة؟ ببساطة الإنقسام الطبقي؟ ببساطة التناقض بين من يملكون كل شىء ومن لا يملكون أي شىء؟
الحق أقول لكم أني لا أرى الأمر بهذه البساطة، وهو ما يصل بنا للسؤال الذي حارت فيه البرية
لماذا يبقى هذا الكيان السياسي الحاكم لمصر باقيا ومستقرا؟ لماذا لا يسقط؟ لماذا لم يسقط؟
من السذاجة والغفلة أو من سوء الطوية والخبث أن نعتقد أن ذلك الكيان الحاكم يقف وحيدا بذاته، فالكيان الحاكم ليس الرئيس وعائلة الرئيس وحواريي الرئيس وأتباعه وكبار رأسمالييه وكبار مسئوليه، هؤلاء هم قمة جبل الجليد فقط، لو أستعرنا المثل من الطبيعة فمثلهم كمثل قطيع السود الصيادة، لكن الطبيعة تعلمنا أن قطيع الاسود يعيل خلفه - دون قصد- قطعان من أبناء أوى ونسور الجيف وخنافس الجثث وذباب اللحم وأنواع عديدة من النمل، وإن كان الأسود عدد قليل فأتباعهم لا حصر لهم، وهم يعتمدون في حياتهم ومعيشتهم على ما تقتله الأسود وتصطاده، الكيان الحاكم في مصر مع ما يعتريه ويصمه من ضعف وهزال وتراخي وفساد وجبن وغباء وسوء تصرف لا يقف وحيدا، بل يدعمه الملايين من اشباهه والمنتفعين منه والعائشين عليه، ليس الكبار، بل الصغار، ملايين منهم لا عيش ولا أزدهار لهم إلا بوجود ذلك الفساد الفاشل الحاكم، مئات الالاف من المصريين يحتلون وظائف كبيرة أو صغيرة في أجهزة ومؤسسات سيادية أو غير سياديه، ذات مهابة أو شموخ أو خطوط حمراء، يستمتعون بنفوذ يمكنهم من بحبوحة العيش وضمان وظائف الأبناء ، أو بفساد عام يجعل المال يتدفق في أيديهم فيتباهون بالشقق والسيارات والأملاك التي لا يمكن أن تبررها دخولهم المحدوده، السلطان ليس قوي بذاته، السلطان قوي بقدر أمرائه والأمير قوي بقدر مقدميه والمقدم قوي بقدر مماليكه والمملوك قوي بقدر ما يجتمع حوله من جرابيع وزعر وحرافيش ومنتفعين، عمارة كاملة وأمة فرعية قائمة بذاتها من المنتفعين بوجود هذا الكيان الحاكم، هؤلاء هم العدو وليس الرئيس ولا الوزير ولا الراسمالي الكبير، هؤلاء هم جيش الظلام وأتباع الفساد، هؤلاء هم من يبقون هذا الكيان حيا ومحميا، وهم من سيدافعون عنه بكل شراسة وقسوه وإستماته، ، لكل فاسد كبير الف فاسد صغير يقتاتون من مائدته، ولكل لص كبير الف لص صغير يسيرون في معيته

هل أعطيكم أمثله؟ الصيادله الذين يبيعون الدواء بأضعاف سعره هل سيقببلون نظاما يسعر الأدويه ويحرمهم من مكاسبهم؟ الأطباء الكبار الذين يعملون مندوبين لشركات الأدوية ويبنون مستشفيات لا ترقى للحد الأدنى من القواعد المنظمة لبناء المؤسسات الصحيه هل سيقبلون نظاما يضع حدا لجشعهم؟ ألاف الموظفين الذين يستمتعون بما يفيض عليهم من تفشي الفساد هل سيقبلون نظاما يحرمهم من فسادهم؟ أصحاب الهيبة والشموخ الذين يستفيدون من نفوذ لا مبررات له ويسيرون في الأرض كالملوك صانعين من نفوذهم وشموخهم تجارة ومكاسب ووظائف للأنجال هل يمكن أن يدعموا نظاما يحرمهم من ذلك النفوذ؟أصحاب محلات البقاله الذين يبيعون سلعا غذائية رديئة وغير صحية بربح فاحش هل نتخيل أن يقبلوا نظاما يطبق عليهم قوانين الرقابة الصحية والتسعيرة الجبريه؟

قد تطول قائمة الأمثله لتصبح صفحات عديده، لكن هؤلاء هم الكيان الحاكم، ملايين الصغار الذين يستفيدون من فساد وفشل الكبار، ملايين الخنافس التي تنهش بقايا صيد الاسود
لذلك يبقى ذلك الكيان الحاكم، لأن له شعبا يحميه وأمة تذود عنه، أمة تقتات على الفساد وتعيش على الخراب
أمة ليست مصر وليس ابنائها مصريون، أمة أخرى هي العدو، العدو الذي يعيش بيننا ووسطنا ومعنا
وتلك هي الأمة التي يجب هزيمتها وسحقها حتى لو لا نريد، حتى لو لا نتخيل ذلك، لأنه حين يحدق الخطر الحقيقي بالكيان الحاكم

لكن حتى هؤلاء يرفعون اصواتهم بالرفض والرغبة في التغيير، فلم؟
لأن الأسود أصبحت أكثر شراهة وأصبح لأبناء آوى كروشا أكبر فلم يعد يبقى لنسور الجيف وما خلفها من خنافس وذباب القدر الكافي من الفتات، هم يريدون عدالة أكثر في توزيع نواتج الفساد، يعرفون أن جشع الاسود الجنوني سيدمر المنظومة كلها وقد يطيح بالجميع من أكبر أسد لأصغر ذبابة جيف.
لكن من الفريق الأخر؟ من الأمة الحقيقية والشعب الأصلي؟
أنه نحن من نقوم مقام الفرائس، الذين ينهش لحمنا ليل نهار، من لا نصيب لنا في جمهورية الفساد، نحن الشرفاء الذين نعمل ونكد لينهش الفساد كل ما نجنيه، نحن من نرى الوطن يموت ببطء مؤلم تحت وطأة جيوش الخنافس والذباب النهاشه بينما يفتح اللصوص الكبار جروحا جديدة في جسده وينهشون ما تبقى من فيه من حياه، نحن ضحايا كل الأخرين
.
أنمساخ الفعل السياسي
عودة للسيرك السياسي، هذه المرة هو البرادعي، ومن قبل كان أيمن نور وما بينهما ذكر عمرو موسى مع حفنة من المهرجين والأرجوزات السياسيين الذين يقدمون عرضا جانبيا مزينا للعرض الكبير، هؤلاء مرشحين الكيان الحاكم، التغيير، أليس ذلك هو المطلب؟ ماذا يعني التغيير؟ عمرة محرك للسيارة المتهالكة القديمة، نزيل بضع أجزاء ونضع أخرى، نربط مسمارا سائبا هنا وصامولة مكسورة هناك وتبقى نفس السيارة الخردة لتعمل عقود أخرى، نطيح بالراس القديم البشع ونضع راسا جديدا لامعا، نطيح بواحد هنا ووراحد هناك، نخدر الضحايا ببضع مكاسب وإصلاحات، نعيد تنظيم توزيع نتاج الفساد والأنتهازية والإستغلال لنرضي الأتباع ونزيد من المماليك والعبيد ونجدد ولائهم، ويبقى كل شىء كما هو، تبقى أمة الفساد قائمه وكبار المستغلين في نعمه، وصغار الفاسدين والنهاشين في بحبوحه
والكل سعيد وراضي فقد (غيرنا) وأطحنا بالرئيس القديم وأتينا برئيس (أستعمال خارج) عاوزين أيه أكتر من كده؟


في هذا الزمن العجيب الذي نعيشه شهدنا تطورات مثيرة للتأمل، أو في الحقيقة أنمساخات وإنحدارت مدهشه، فأنقرض (الكاتب) ليحل مكانه (المدون)، وتلاشى السياسي والحزبي) ليحل محلهما (الناشط) وأخترع لنا تعبير (التغيير) ليحل محل اي كلام عن الإصلاح كأتجاه يميني أو (الثورة) كتوجه يساري، فقط التغيير، كأننا مللنا ونريد أن نغير، فقط وكأن الأمر كله معاناة من الملل، تعبير مخصي ومنزوع المعنى والهدف، تعبير هلامي مصطنع لا معنى له، هو ما تريده الأمة الأخرى وما يسعى الكيان الحاكم إليه، دعكم من الإصلاح فهو موضة قديمه، وأنسوا الثورة فقد عفا عليها الزمن هذا زمن التغيير

لكن القادم لمصر ليس تغييرا ولا إصلاحا ولا حتى ثوره
القادم لمصر أمر أخر، لا تنطق الألسنة باسمه خوفا ولا يخطر على القلوب فرقا منه.

وإلى الأحد القادم.