Friday, February 22, 2013

مصر ...مقاومة الملهاه الثوريه



ينشر هذا المقال مترجما إلى الفرنسيه في مجلة البديل التحرري الأناركيه الفرنسيه



كيف يبدو الوضع في مصر؟...يا له من سؤال كابوسي، أجابات مثل: لا أعلم، (مش فاهم حاجه) غير مقبولة طبعا، لكن كيف يمكنك ان تحلل أو تشرح وضعا يبدو كشىء من نتاج قلم صمويل بيكيت أو يوجين يونسكو؟ أو كمشهد من فيلم (الغواصة الصفراء) الذي يحتفي بالهلوسه؟ كيف يمكنك أن تقدم شيئا قابلا للتناول، شيئا أكثر من التعبير عن الحيرة أو مجرد لوحة (كولاج) مربكه؟
منذ حوالي العام والنصف وفي أحتفالية سياسية بأفتتاح مقر للتروتسكيين بالإسكندريه، طرح أحد قادتهم الأكثر بروزا جوهرته الفكرية فيما اسماه نظرية (أعمدة الثورة السته) وهي : الحركات الشبابية، الالتراس،المرأه،العمال،الفلاحين،الصيادين، الحقيقه أن الرجل لم يكن يمزح، بل كان جادا جدا، ربما تصلح نظريته الكريكاتيريه معيار ومؤشر على مستوى أنحطاط الفكر السياسي بمصر و لفهم القوى الفاعله في الحاله السورياليه المسماة الثورة المصريه:
الحقيقة أنه داخل تلك السوريالية تقبع مسارات محددة قوية التأثير، مسارات وضعت ركائزها قبل عقود، لكنها لم تتوقف أبدا عن تشكيل المجتمع المصري ووسم حركتها بوسمها:

إنحلال الفكر السياسي المصري
يحفظ كل مواطن سوري مجموعة من الأناشيد والهتافات الممجدة لحزب البعث ولأيدولوجيته، بغض النظر عن موقفه من الحزب والنظام فلا حيلة له في ذلك، فهي كانت – وما زالت- مفروضة وبصرامة على طلاب المدارس السوريه، لكننا في مصر لا نحفظ مثل تلك الأناشيد، وهي لم توجد أبدا منذ انهيار النظام الناصري في 1970، وما عدا بعض الجمل المستهلكه التي كان تدرس في منهج (التربية الوطنية) بالمدارس فلا حضور على الإطلاق لأي تمجيد للحزب الحاكم أو أيدولوجيته، ليس لأن الحزب الوطني الذي حكم مصر طوال عهد مبارك – والذي لم يكن سوى أمتداد مباشر للأتحاد الاشتراكي العربي الناصري- كان أقل فاشية وشمولية من أخيه البعث العربي السوري، بل لأن كراهية الأيدولوجيا والنفور من التنظيم الحزبي المتماسك أصبحت عقيدة النظام الحاكم في مصر، فمنذ أكتشاف النظام الناصري أن (منظمة الشباب الاشتراكي) التي أنشئها لتكون مدرسة لكوادر الحزب الحاكم قد اصابتها عدوى الشيوعية وأصبحت كيانا يتمتع باستقلالية عاليه مما أضطره لتدميرها والتنكيل بأعضائها، منذ ذلك الاكتشاف أدرك النظام أن (الأيدولوجيا) في حد ذاتها أمرا غير مرغوب فيه، وأن التنظيم الحديدي – حتى وإن كان حاكما- لعبة خطره يستحسن تجنبها، وعليه تبنى النظام (الميوعه الفكريه والتنظيميه) كايدولوجيا أساسيه له، فالحزب الحاكم تحول بوضوح لنادي لأصحاب المصالح والسياسيين المحترفين الفاسدين، لا يمتلك سوى شعارات غائمه تخلط ما بين الوطنيه الشوفينيه وبقايا التمجيد الناصري لدور الدولة في ضبط الأقتصاد، مع تشجيع متصاعد للراسمالية الوطنيه ظهرت بوادره في الحقبة الناصرية نفسها.
هذا الأفتقاد للأيدولوجيا وللأفكار السياسيه الواضحه لم تكن قاصرة على الحزب الحاكم فقط، بل تبنتها كافة الأحزاب والحركات السياسية المصريه في محاولة لمواجهة الخطاب الشعبوي الهلامي للحزب الحاكم الذي كان يدافع عن مصالح العمال ويشجع المستثمرين في نفس السطر، فكانت برامج وتوجهات القوى السياسية جميعا على نفس الشاكله: خطاب شعبوي ديماجوجي رخو بلا معنى واضح تمتزج فيه الشعارات الوطنيه بالتوجهات الأشتراكيه بالميول الراسماليه، حتى التيار الإسلامي كان شعاره الأشهر منذ الثمانينيات هو (الإسلام هو الحل) فقط، دون شرح أو توضيح، بينما تبنى الحزب الشيوعي المصري وواجهته العلنيه (التجمع ) مقولة تكوين جبهة وطنية موسعة يمكن تحويلها لجبهة إشتراكية فيما بعد.

منظمات المجتمع المدني...أفيون السياسيين.
كانت هذه المنظمات بدخولها مصر – منذ أوائل التسعينيات- النبي المبشر بقيم الليبراليون الجدد وحقبة ما بعد انهيار الأتحاد السوفيتي، حاملة لكل الهرطقات الفكرية لفوكو وإن لم تعلن ذلك أو تعيه، معادية للأيدولوجيا، عدائية ضد الافكار السياسية، بل عدائية ضد السياسة نفسها رغم أنها تورطت فيها بشروطها الخاصه، جمعت بسرعة تحت جناحيها أيتام الحركة اليسارية المصرية وقدمت لهم مظلة جديدة يتجمعون تحتها بدلا من مظلة أحزابهم البائده، مظلة شرعية هذه المرة، ومحمية بدعم غربي لا يمكن نكران صلابته، والأهم انها غنيه، سمينة بما يضخ فيها من تمويلات أجنبية كريمه، كانت تلك الضربة الثانية القاصمه للنشاطط السياسي الجاد وللإنتماء الايدولوجي من أي نوع طارحة مفاهيم مبهمة لامعة المظهر مثل: النشاط الإجتماعي اللامسيس، التنميه المستدامه، الناشط الحقوقي، وحتى الإسلاميين وجدوا فيها أرضا خصبة للحركة ومظلة خماية وأداة هامة في صراعهم مع النظام، وفرت لهم شرعية لتواصلهم مع القوى الأجنبيه وقوة دفاعية مهمه.

الصراع السياسي في عالم السنافر
كان أواسط الالفية حقبة نمو وإزدهار مجموعة هائلة من الحركات (السياسيه) منزوعة الأيدولوجيا، مبهمة التوجه، كانت بدايتها حركة (كفايه) التي لم يكن برنامجها في الحقيقة سوى أسمها (كفايه)، كأنما هي مجرد تعبير عن الملل من طول فترة حكم مبارك، دون اي بعد اجتماعي أو فكري واضح، ومن رحمها ولدت حركات أكثر غرابة تبدأ باي كلمة شئت يعقبها (من أجل التغيير)، فاصبح لدينا أطباء، ومهندسون وعمال وشباب ...إلخ من أجل التغيير) التغيير لماذ وكيف ؟ لم يكن الأمر مهما، فقط (التغيير) مفهوم جديد حل محل كلمة (ثوره) أو حتى (إنتفاضه) تقزيم للفكرة نفسها، ومسخ لفكرة الحزب او الحركة السياسية وتحويلها لشكل كاريكاتيري من تجمع (شلة) تهدف للتغيير، في انقطاع تام عن أي تواصل شعبي أو طبقي، وإن كانوا جميعا ينتمون للطبقة الوسطى وشرائحها الأكثر برجوازيه، ومن أهم مميزات تلك الحركات أعتصامها الدائم بسلم نقابة الصحفيين، وتباهيها بذلك الإعتصام.
ثم أكتملت المجموعة الكاريكاتيريه بتأسيس حركة (6 ابريل)- النسخه المحليه الرديئه لحركة أوتوبور الصربيه- والتي يقول تعريفها على الويكيبيديا: (أغلب اعضاء الحركة من الشباب الذين لا ينتمون إلى تيار أو حزب سياسي معين وتحرص الحركة على عدم تبنيها لأيدلولوجية معينة حفاظا على التنوع الأيديولجي داخل الحركة ولما تفرضه ظروف مصر من ضرورة التوحد والائتلاف ونبذ الخلاف)، وهو ما ارى فيه ولاء واضح للفكرة التي تبناها الحزب الوطني الحاكم ( جبهة وطنية موسعه تتعالى على الايدولوجيات)، في النهايه كان الصراع السياسي حالة كاريكاتيرية ، فالمعارضه ترفع شعار (التغيير) والنظام يرفع شعار (فكر جديد...من أجلك أنت)!!!

هذا التقزم الشديد للفكر السياسي هو السبب لما نراه الأن من حالة سوريالية بالحراك الإجتماعي المصري، فبسبب غياب حركات سياسية حقيقيه لها برامج محدده، وبسبب تحلل المفاهيم السياسيه نجد تكتلات عشوائية مرتبكة المفاهيم تعبر فعلا عن الأزمة العقلية والمعرفية لمتعلمين الطبقة الوسطى، مما يفسح المجال لكيانات هلامية جوفاء لركوب الحراك الجماهيري وتشويه مساره، بداية من إئتلافات شباب الثوره، وصولا لحركة 6 ابريل التي تشظت وتفتت لعدة حركات غير فعاله، وصولا إلى ذروة الملهاه بتقدم حركات الألتراس المسيرات الجماهيريه معلنين أنفسهم (حماة للثوره) وفرسانا لها، لا لشىء إلا لكونهم (منظمين) ينقلون مهارات وسلوكيات مدرجات كرة القدم للشارع، غلى هذا الحد وصل جوع الشارع للتنظيم وافتقاده له إلى حد خضوعه لقيادة مراهقين لا يمتلكون فكرة أبعد من تشجيع كرة القدم، وثارهم الدائم مع قوات شرطة الشغب بأعتبارهم مشاغبين محترفين، متجاهلا أو غير واعيا بميولهم الفاشية الواضحه، واحتقارهم للمرأة وأنحياز أغلبهم للتيار الإسلامي بما يمليه عليهم وعيهم المسطح وتنظيمهم الهرمي، إلا ان الملهاة الثوريه لا تنتهي هاهنا، فالالتراس يفسحون الطريق لحركة (البلاك بلوك) التي تبدو تجمعا عشوائيا لعناصر من الالتراس رفضوا الأنضواء تحت التيار الإسلامي وبقايا عناصر 6 ابريل، تنظيم لا يجمعه سوى أرتداء أعضائه للاقنعة السوداء أو قناع (فانديتا) الشهير، يطلقون التهديدات الجوفاء على الفايس بوك، ويدعون الأناركيه، رغم أن أطروحاتهم البسيطة الضحله لا تحمل سوى بصمة الالتراس و6 ابريل الواضحه، الثوره كعنوان للمشاغبه ليس إلا بلا هدف محدد، فكرة الجبهه الوطنيه والشعب الواحد، وانعدام اي طرح أجتماعي أو فكري واضح، وربما يكون أنتحالهم للأناركية الذي توافق مع أرتفاع مستوى نشاط الحركة الاشتراكية التحررية صدفة محضه، أو أمرا مقصودا، يبقى سؤالا ينتظر الإجابه.

الإبحار خارج المستنقع:
كانت المهمة الأكثر حيوية التي تقع على عاتقنا كأشتراكيين تحرريين، هي الخروج من هذا المستنقع للملهاة الثوريه، قطع الصله مع أشكال النضال الكاريكاتيريه المستهلكه، لم يكن أمرا سهلا أن قررنا مقاطعة المسيرات السبوعيه التي يسيطر عليها مجموعات مجهولة لا تقدم طرحا سياسيا له معنى، وأغلبها جل همه افتعال صدام مع شرطة بلغت في توحشها وقسوتها حدودا هستيريه، فيما اصبح يسمى (صدامات يوم الجمعه) والتي تنتهي دائما بلا شىء سوى إصابات وأعتقالات ويذهب الجميع لبيوتهم قرب الفجر حتى في الحالات التي وصل فيها العنف لدرجة سقوط قتلى، فبدون فكرة أو أستراتيجيه لن يستمر اي صدام طويلا، يجب أن تركز الحركة على التحريض ونشر افكارها السياسية، وخلق حلقات نقاش وحوار تلقائية في الشوارع والحقيقة أن حملة (أحرقوا دستورهم) لكشف الأنحياز الطبقي لدستور الاخوان ضد الفقراء والكادحين احرزت قبولا لافتا، ويجب الاستعداد لإطلاق حملات دعائية متعددة بنفس التكنيك هما :
حملة من أجل نقابات حره تطرح الفكرة السينديكالية للنقابة الأفقية الثورية بديلا عن النقابات المستقلة أو الحكوميه الهرمية الطابع الصفراء الأداء.
طرح دستور الاشتراكيين التحرريين، وهو برنامجنا النضالي جماهيريا، وشرح أي مجتمع تناضل الأناركية من أجل تأسيسه، محاولين أن نقدم للشارع الثائر إجابة على سؤاله الذي لا يريد احد أجابته : ما البديل لنظام الأخوان؟
ويجب أن تتركز الحملات بالمناطق العمالية والعشوائية الأكثر فقرا، إن مهمتنا الأكثر حيوية كاشتراكيين تحرريين هي تجذير الأفكار والمفاهيم والشعارات الاناركية بالمجتمع المصري، خلق البراكسيس (التقليد) الأناركي، يجب تأكيد وجودنا في المجتمع كتيار سياسي وفكري أصيل ومعروف بشكل جيد، يجب أن نختط لأنفسنا تكنيكات نضالية ودعوية خاصة بنا، تخدم مبادئنا وأهدافنا، لا أن ننجرف وسط تيارات تحول الثورة غلى ما يشبه السيرك والمولد.
بأختصار نهدف أن نكون صوتا جادا صادقا وسط سيرك من المهرجين والبهلوانات السياسيين.














Wednesday, January 09, 2013

الاخوان...نمر من ورق


ينشر هذا المقال مترجما إلى الفرنسيه في مجلة البديل التحرري الأناركيه الفرنسيه


الحكمه القديمه
كانت بداية التسعينيات من القرن الماضي، هي ذروة تسلط ونفوذ التيار الفاشي الديني في مصر، فهم يسيطرون على مجالس إدارات الأغلبية الساحقة للنقابات المهنيه، وأتحادات الطلاب الجامعيه تخضع لسيطرتهم المطلقه، التي وصلت حتى لأتحادات طلاب المدارس الثانويه، من الناحيه الاقتصاديه كانت أمبراطورية (شركات توظيف الأموال) الإسلامية ما زالت راسخة رغم الهجمات الحكومية التشريعية عليها، أمنيا كان نظام مبارك يخوض بيأس ووحشية حربا أهلية غير معلن عنها ضدهم لا في جنوب مصر الغارق في العشائرية والتخلف الاقتصادي فقط، بل وفي وسط القاهرة نفسها وهو ما بلغ ذروته بأغتيالهم لرئيس مجلس الشعب القوي (رفعت المحجوب) في أكتوبر 1990، بينما نشر أغتيالهم للمفكر الليبرالي فرج فوده بصيف 1992 الرعب والذعر وسط الجماعه المثقفه، التي أدركت أن تكلفة معارضتهم قد تكون الحياة نفسها، وقتها كان اليسار المصري المنهار نفسيا وتنظيميا بتأثير زلزال تفكك الاتحاد السوفيتي في أسوأ حالاته، كان الجميع يتوقع سيطرة التيار الإسلامي على الحكم ما بين لحظة وأخرى، الجميع ما عدا أحد قدامي الماركسيين وأقلهم شعبية في مصر، رفعت السعيد، الرئيس الدائم لحزب التجمع اليساري الذي كان رأيه أن التيار الإسلامي طالما أستطاع أن يصل لهذا المستوى من السيطره دون أن يستطيع قلب نظام الحكم القائم والوصول للسلطه، فإنه لن يستطيع أبدا الوصول للسلطه، بكلماته نفسها: مش حيحكموا أبدا، وقد كان ذلك الثعلب العجوز على حق، وما زال، فرغم سيطرة الاخوان على منصب الرئاسة والمجلس التشريعي، ما زالوا عاجزين تماما عن السيطرة على الدولة، ما زالوا لا يحكمون.

سقوط الأسطوره:
منظمين جدا، تنظيمهم حديدي، كوادرهم لا تعد ولا تحصى، الجماعة مزدحمة بأساتذة الجامعه والنخبه العلميه والفكريه، أستراتيجيتهم واضحه، يزرعون عناصرهم في كل مفاصل الدوله، تلك كانت بعض الأساطير التي روجت لعقود طويلة عن الأخوان المسلمين وانسحبت بالتبعيه على بقية فصائل التيار الديني، تلك كانت الأساطير التي صدقناها وروجنا لها حتى ونحن نعادي التيار الديني ونخوض الصراع المرير الطويل ضده، إلا أن تلك الأساطير التي تراكمت عبر ثمانية عقود من عمر جماعة الاخوان المسلمين تلاشت خلال شهور قليله من حكمهم المضعضع، فظهروا عشوائيين، غير منظمين، يتناقضون داخليا وتخوض قياداتهم صراع دائم فيما بينها ، عاجزين بشكل واضح حتى عن تكوين وزارة إخوانية كامله، يعانون من فقر مدقع في الكوادر السياسية أو التكنوقراطيه، يفتقدون لأي برنامج سياسي أو اقتصادي واضح، مرتبكين سياسيا وحركيا، حتى تنظيمهم الحديدي المرهوب الجانب المبني على السمع والطاعة ظهر بوضوح زائفا أجوفا، فأي تنظيم ذلك الذي يحتاج لكي يحشد عناصره لنقلهم بأتوبيسات فاخره من بيوتهم لمكان الحشد مغريا اياهم بوجبة طعام ومقابل مالي؟ هؤلاء ليسوا كوادر حزبيه تخضع لمفهوم السمع والطاعه والإلتزام الحزبي، بل هواة مأجورين لا يركن لولائهم وإلتزامهم، حتى شعبيتهم المزعومة في الشارع تتأكل بسرعة مدهشه، والسخط الذي جمعه مبارك خلال 30 عاما، أستطاع الأخوان أن يجمعوا مثله في أقل من 7 شهور من حكمهم، فالجميع تقريبا ضدهم، الرأسماليين والعمال، أهل المدن وأهل الحضر، المثقفين والأميين، الجميع ساخط عليهم ورافض لهم بدرجة أو بأخرى، وهو ما يبدو غريبا بالنسبة لتنظيم سياسي صنف دائما بأعتباره يمين سياسي معبر عن مصالح البرجوازيه، فلم تعاديه تلك البرجوازيه بشراسة أشد حتى من عداوة الطبقات الشعبية له؟

تنظيم سياسي أم عشيرة مافيا؟
عادة ما يرتكز أي تنظيم سياسي على قاعدة طبقية أو دينيه أو جهويه أو عرقيه تقولب وتشكل طرحه السياسي، فإذا ما طبقنا هذه القاعدة على تنظيم الإخوان المسلمين فإننا نجده بلا اي تمايز عرقي أو جهوي أو ديني عن الأغلبيه الساحقه من الشعب المصري، ولا حتى تمايز مذهبي داخل الإسلام السني الاشعري رغم كل محاولات حقنه بالفكر السلفي الوهابي، فلا يبقى له إلا الإنتماء الطبقي، والحقيقة أن أغلبية المحللين اليساريين – حتى المتحالفين معه- يصنفون الاخوان المسلمين كتنظيم يميني منحاز للرأسمالية والبرجوازيه، إلا أنني أختلف معهم في ذلك، فرغم أن البنية الأساسية للتنظيم تقوم على نخبة من كبار الرأسماليين فوق قاعدة من البرجوازية التجارية الكبيره والمتوسطه والناشطه في المجال الخدمي اساسا، إلا أن اشد أعداء الاخوان السياسيين ضراوة هم التنظيمات السياسيه المعبرة عن الراسمالية المصريه ورجال الأعمال، مثل حزب الوفد اليميني المحافظ، وتحالف جبهة الأنقاذ خاصة بعد أندماج حزمة من الأحزاب اليمينيه في مكونه الرئيس (حزب الدستور)، إضافة طبعا لبقايا الحزب الوطني الذي يرمي رجال أعماله بكامل ثقلهم خلف حركات (ثورية) مزعومه لا تتوقف عن الهجوم على الأخوان، كما لا يفوتنا صراعهم مع الكتلة الاقتصادية العسكريه التي أستغلت قوتها الساحقه في افشال خططهم بالاستثمار في سيناء ، على الناحية الأخرى نرصد سلوك الأخوان مع شركة (سوبريما) الفرنسية المصرية التي أنسحب الشريك الفرنسي منها لخلاف مع الحكومه حول أحقيته في الحصول على مواد خام مدعومه فأنهارت الشركه وتشرد عمالها، وتضع جماعة الأخوان ضغوطا كبيرة على وزارة البترول لتعيين عمال الشركه في مؤسسات أخرى بقطاع البترول، فهل الأخوان جماعة منحازة للعمال؟ الحقيقه لا، وعلى الإطلاق وهنا تظهر بقعة ضوء كاشفه، حين نعلم أن أغلبية عمال سوبريما ينتمون لجماعة الأخوان،- وهي حالة نادره تكاد تكون فريده- لذلك يحوزن أهتمامها ورعايتها بينما الاف العمال لعشرات الشركات المنهاره يتشردون دون أن يحوزوا أي أهتمام أو رعايه، فالأخوان في رايي كجماعه ليس لهم أنحياز طبقي، فهم مع الرأسماليه الإخوانيه، ومع العمال الأخوانيين، ومع البرجوازيه التجاريه الإخوانيه، وهم ضد الرأسماليه والعمال والفلاحين والبرجوازيه لو ليست إخوانيه، إن أنحيازهم في الحقيقه حزبي أو عشائري، هم منحازون لأنفسهم فقط كتنظيم، هم مع العمال ضد الراسماليه لو كان العمال أخوان، ومع الرأسمالي ضد العمال لو كان الرأسمالي أخوانيا، وهم بذلك يفقدون تصنيفهم كتنظيم سياسي ويصبحون اقرب لتنظيم مافيوزي أو ماسوني، يعمل لمصالح المنتمين إليه فقط دون الأرتكاز على اي تصنيف أخر، وهنا مصدر ضعفهم الشديد وحتمية سقوطهم، فهم منعزلون، مغلقون، عاجزون أو راغبون عن إقامة أي تحالف طبقي أو سياسي طويل المدى، لا يعرفون سوى أسلوب أستغلال القوى السياسيه الأخرى ونبذها عند أقرب منعطف.
النظام ذو الالف وجه :
يخطىء من يتخيل سقوط نظام مبارك أو حتى خلخلة أسسه، فنظام الدولة السلطوية القمعية الفاسده ما زال حيا وفاعلا، ينهض كل صباح ليذهب لعمله ويمارس نفوذه ويدعمه ويراكم أرباحه ومكاسبه، نظام هو تحالف واسع ما بين الرأسمالية الخدمية التابعه والمجمع الاقتصادي العسكري مرتكزا على هيكل بيروقراطي عملاق ومعقد يتجاوز عدد العاملين به خمسة ملايين، هذا النظام يعتمد في أستقراره على فهم دقيق لمناطق النفوذ بين أجنحته، التي قد تتقاطع أو تتصارع لكنها لا تجور على بعضها البعض، وما اسقط مبارك وعصبته من الليبراليين الجدد إلا لمحاولته التعدي على ذلك التوازن ومنح الراسمالية الطفيلية قطعة من كعكة المجمع الاقتصادي العسكري، والمؤسف أن أشد منافسين وأعداء الاخوان قوة وشراسة هم نظام الدولة القديم نفسه، فالحزب الوطني رغم إلغائه كتنظيم سياسي ما زال باقيا وفاعلا كعلاقات أجتماعية ومصالح أقتصاديه وتكتلات سياسيه وهو يرى الأخوان راغبين عن التحالف معه طامعين في أحتلال موقعه ، والمؤسسة العسكريه ترد بقسوة وفجاجة على أي أنتقادات توجه لقيادتها السابقه حتى لو أتت من فضيلة المرشد نفسه، والداخليه تظهر تمردا واضحا ورفضا للخضوع لأوامر السادة الجدد ونفورا من أن يستغلوها كسلاح ضد الشعب، والجهاز البيروقراطي يرفض السيطرة عليه ولا يقبل سوى منح بضع كوادر اخوانية مناصب فارغة المضمون وسط صفوفه، تأتي أقرب للمكافأت للكوادر الوسيطه منها لمحاولة حقيقيه للسيطرة على مفاصل الدوله.
إن النظام قدتخلى عن حسني مبارك وعصبته المقربه، ودفع للمقدمه بذراع أخر من اذرعته هم الاخوان المسلمين، الذي ظهر بوضوح وسرعة ضعفهم وهشاشتهم وفشلهم في فهم طبيعة اللعبه، وعجزهم عن إقامة تحالف سلطة مستقر مع إثارتهم لغضب الطبقات الشعبية برفعهم للأسعار وانهيار البنية التحتية والخدمات.
إن الاخوان ليسوا سوى حلقة من حلقات النظام الرأسمالي الإنتهازي العسكري البيروقراطي، وبقائهم أو سقوطهم تحدده قدرتهم على خلق أستقرارا إجتماعيا يبدوا عاجزين تماما عن الوصول إليه، وخلق تحالف سلطة موسع يبدوا عازفين عن تحقيقه، إنهم موضوعين ببساطة ما بين سندان سخط وغضب الشعب، وما بين مطرقة نفور وعداة النظام، إلا ان سقوطهم رغم حتميته لن يكون بالمهمة السهله، مع أنتهازية المعارضة الرسميه، وعجزها عن خلق بديل، وعجز المؤسسه العسكريه- المشلوله بصراعاتها الداخليه- عن خلق ذلك البديل، سيضطر النظام كلل لمساندتهم ضد اي هبات شعبيه لأنعدام البديل المقبول ولكونهم على اي حال جزءا أصيلا منه، خاصة أن الولايات المتحدة ما زالت تحيطهم برعايتها وقبولها رغم فشلهم التام كجزء من أستراتيجيتها لأخضاع دول الشرق الأوسط لحكم الإسلامم السياسي المعتدل تحت مظلة الهيمنة التركيه، وهي الخطه التي تبدو فاشلة حتى الأن في كلا من مصر وتونس لهشاشة التنظيم المنوط به الدور الأهم في تنفيذها، الأخوان المسلمين، النمر الورقي.

ياسر عبد القوي
الحركه الاشتراكيه التحرريه- مصرظ