Monday, June 15, 2009

البطل....الأضحيه


حين يمرون بك..سيبتسمون في وجهك بإعجاب, وأحيانا ما سيوقفونك في ممر منعزل أو شارع صغير ليشدوا على يديك مشجعين, بعضهم قد يربت على كتفك, سترمقك الفتيات من بعيد ويتهامسن بأسمك معجبات وهن يرمقنك بنظرات الوله والتمني, سيشير إليك الرجال ويهزون رءوسهم مؤمنين أو حاسدين, سيذكرونك في أحاديثهم ويكررون عنك الحكايات في ثرثرات المقاهي, سيردد أناس لم يروك ابدا سيرتك وحكاياتك بعد حدوثها بسنوات, سيصنعون منك قصصا وأساطير , سيجعلون منك...بطلا

لكن تذكر يا عزيزي أن من يبتسمون في وجهك ويشدون على يديك في الحواري المظلمة والممرات المنعزلة سيتجاهلونك في الميادين المضيئة والممرات المزدحمة, وأن الفتيات لن يمنحنك أكثر من نظرات الإعجاب, وأن الذين يربتون على كتفيك سينظرون إلى الناحية الأخرى حين تقف وحيدا شاهرا وحدتك المريرة ومتصديا لأعدائهم, تذكر يا عزيزي أنهم يصفقون لك ثم يأوون إلى بيوتهم الدافئة ليحكوا لأحبائهم في الدفء اللذيذ عن أخر نوادر البطل , بينما تضرب أنت في الشوارع الوحيدة الباردة, قابضا بكفك على حيث قلبك عسى تصد عنه برودة الوحدة.

تذكر يا عزيزي أن العباءات القرمزية التي توضع على أكتاف الأبطال لا تهدف سوى لأخفاء الجراح المميتة النازفة عن أعين المصفقين, وأن الهدف من أكاليل الغار هو إخفاء أصفرار الموت على وجه المقاتل الممزق الصدر, وأن الهتافات الصادحة والأبواق الزاعقة تخفي أول ما تخفي أنات الألم التي تمزق حنجرتك

تذكر يا عزيزي أنه حين تصبح بطلا فأنت وحيد ولا أحد يقف خلفك, وأن من سيصفقون لبطولتك لن يحركوا أصبعا ليساندوك في المعركه, وأن النصر لهم جميعا والجراح لك وحدك

تذكر يا عزيزي أن الصديقين العزيزين الذين أبديا مساء الأمس أعجابا شديدا بهجماتك ضد المزيفين الأسواني والعايدي لم يكتب أحدهما سطرا واحدا يدعم فيه كلامك

تذكر يا عزيزي أن كل أكاليل الغار تذوي وتذبل, وأن كل العباءات القرمزية تبهت وتنحلو وأن كل القصص تنسى وتُمل, وحدها الجراح تبقى حية في جنبيك, وحدها الوحدة لا تفنى



Saturday, June 06, 2009

الصيف....الحقير


أه يا سكندريتي, يأتيك الصيف في ميعاده , وتبدأ الجامعات والمدارس في منح الكائنات المحبوسة خلف اسوارها إفراجا مؤقتا, وكأنه يجب أن تلتقي مصيبتين معا لتنصبا على راسك

ياتي الصيف يا ماريه لتمتلىء شوارعك بالهواء الخانق والرطوبة والكائنات الضالة المتسكعة كذباب الصيف اللجوج, وعما قريب ستضاف للكائنات الضالة المحلية أخرى مستورده ليتنافس الصنفان أيهما اكثر فسادا وإفسادا من الأخر

يأتي الصيف يا التي ترابها زعفران ليمكن لكل أحمق أن يأتي إليك ليطلق العنان لكل سخفه وحيوانيته وهمجيته وبدائيته في شوارعك وعلى شواطئك بدعوى أنه (يصيف), وكأن الصيف خلق لكي يرتد البشر في سلم التطور عائدين لمرتبة السعادين, وكأنه مكتوب عليك أن تلوث شوارعك بهم, وتستحيل شواطئك المسحورة (ترعا) وكورنيشك المجيد لـ... (ع الزراعيه ياما نفسي اقابل حبيبي), ويصبح كل ما بك مستباحا وفاسدا

أه يا حبيبتي, لو أني أملك أن اقيم حولك سورا من نيران التنانين فلا تنتهك تلك الجحافل الجرادية شوارعك المقدسه, لكني لا أملك سوى الصبر كما تفعلين

اليوم مرت سحابة شتوية أخيرة وأمطرت قطيرات مطر أخيرة, إنه الشتاء الرقيق النبيل يذكرنا أنه عائد, وأن الصيف ومصيفيه إبتلاء مؤقت سيزول

أبقى أنا أحلم بالشتاء وبالنوة الأولى التي ستطهر شوارعك وشواطئك وتعيدك إلي لتكوني حبيبتي مرة أخرى

Thursday, June 04, 2009

فـي حضــرة الســيد ....تورجينيف


أظن المرة الأولى التي رايت فيها كتابا لتورجينيف كانت معرضا ما من معارض الكتاب في النصف الثاني بالتسعينيات, لم يكن الأدب الروسي وقتها غريبا علي طبعا, كنت قد مررت- اي كلمة خائبه مررت هذه- أقصد كنت قد استلبت بديستوفسكي, وأنذهلت بجوجول, وثملت بتشيكوف, وعشقت جوركي, وبنيت موقفا تجاه تولستوي, وصولا لروعة جبروت ومجد شولوخوف , وقوة سيرافيموفيتش المركزه العنيفة كأعصار, لسبب ما اشتريت الكتاب, ليس كتابا واحدا بل مجموعة الأعمال الكاملة في خمس مجلدات من إصدار دار (رادوغا), ولسبب ما قررت وضعها جانبا , وعدم الإلتفات إليها, أعتبرتني مشبعا بالأدب الروسي, وأنه يكفيني من الأدب الروسي بالقرن التاسع عشر كلا من الإلهين ديستوفسكي وجوجول, ثم أن الزمن كان زمن الواقعية السحرية, والأطياف الملونة الأتية من أمريكا اللاتينية, كان زمن مركيز- قبل أن يقرر أشباه مثقفي وسط البلد أن مودته أنتهت- إذن من يحتاج للجد تورجينيف الرمادي الأتي من القرن التاسع عشر؟
أعترف مطرقا للارض خجلا أن تلك المجلدات لم تفتح ابدا لسنوات وأنني دائما ما وجدت شيئا أحق بالقراءة منها, وأنني في النهاية أهديتها لشخص ما ونسيت, بمعرض الكتاب الماضي, وجدت نفس المجلدات أمامي بنفس الطبعة, الحقيقة مجرد مجلدين فقط, الرابع والخامس, أشتريتهما ربما لأنها اصبحت نسخة نادرة, وأنها لن تتوفر ابدا مرة أخرى, ولعل وعسى, من يدري ربما اقرأه يوما ما, ولشهور بقى المجلدين راقدين بهدوء وسط كتيبي, حتى أتى اليوم الذي ألتقطت فيه المجلد الرابع عرضا بقصد الإطلاع السريع فقط, وكانت تلك لحظة أن دخلت في حضرة السيد تورجينيف, لحظة أن أنفجرت بوجهي كل تلك القدرة الرائعة على سبك الجمل وصياغة الكلمات والوصف والغوص في أعماق البشر, وتحويل قصص بسيطة وحبكات تبدو حتى ساذجة إلى إثارة رائعة فخمة مبهرة وكثيفة لكن غير متعاليه, كتابة تشبه إحتضان الجدة العجوز التي تأخذك إلى جانبها اسفل شالها الثقيل الدافىء وتحكي لك وهي تمسد كتفك بحنو ورقه.
كم أشعر بالذنب أني اضعت كل تلك السنوات دون التشرف بمعرفة السيد تورجينيف, والجلوس في حضرته, والإغتراف من روعة كتاباته
أه ايها العظيم إيفاتن تورجينيف كم من الروائيين المصريين الكبار بنوا عروشهم الأدبية من الفتات الذي تساقط منك وأنت تشيد صرحك الجبار, وكم يبدون أقرزاما ومضحكين مقارنة بعمق بساطة حكمتك وكثافتها, كم تبدو موهبتم تافهة مقارنة بك كما تبدو الطحالب تافهة مقارنة بشجرة الجميز العفيه

سيدي العزيز اسمح لي ان اضيف قرائي على شىء من كتاباتك

يقول تورجينيف: ( الحياة رغيدة للحمقى بين الجبناء)
بتلك الجملة وحدها فتحت عيني لأرى كيف يسود السخف كل شىء, ولم يسير في معرض الكتاب خيري شلبي متابطا ذراع تافه زائف مثل أحمد العايدي, ولم يتحول كائن مثل مرتكب جريمتي شيكاغو وعمارة يعقوبيان إلى روائي مصر الأول, ولم تمتلىء رفوف المكتبات بإفرازات زواحف أدبية تحت مسميات روايات وقصص واشعار, نعم ياسيدي للحمقى رغد الحياة بين الجبناء, ونحن مملكة الجبناء فنحن فردوس الحمقى الأعظم

يقول تورجينيف: ( في ايام الشكوك, في ايام الفكار المضنية في مصائر وطني , أنت وحدك سندي ودعامتي, أيتها اللغة الروسية, العظيمة, الجبارة, الصدوق, الطليقة, وكيف لي, لولاك, أن لا أسقط في الياس, وأنا أرى كل ما يجري في بلادي؟ ولكن لا يجوز التصديق بأن مثل هذه اللغة لم توهب لشعب عظيم!)

أه يا سيد تورجينيف, يا من وجدت سلوتك وعزيمتك في لغة وطنك, أين أنا منك, أنا أنتمي لأمة بلا لغة, ولوطن لا لسان له, نعم سيدي, وطني لا لغة له, تلك اللغة العربية مهما كانت رائعة وعظيمة وقوية وخصبة, تبقى لغة غريبة, تبقى لغة بعيدة, تبقى لغة اتت من هناك, لم تولد بين شفتي ايا من اسلافي, ولم يغني بها الفلاحون وهم يحولون مجرى النيل, ولم يترنم بها الكهان في نمعابد وطني القديمة, أتعرف يا سيدي , يبدو كأنما الكل تأمر على لغة وطني, أكاد اسمع الأن قارئا مسيحيا مصريا يصدر أهة الفرح هاتفا: صحيح...فلغتنا الحقيقية هي القبطيه, أترى اي سخف أعيشه ياسيدي؟ الكل يتناسى أن المؤامرة الأولى على لغة مصر حيكت بليل في واحد من أديرة الرهبان أو أمام مذبح كنيسة ما, لم يكفي المسيحية أن أحتزت روح مصر واقتلعت جذور شخصيتها ساحقة ألهتها العريقة ومدمرة حضارتها الأكثر مجدا, بل كان يجب أن تكتمل الماساة بتشويه اللغة نفسها, ليستبدلوا الحروف المصرية الاصلية باخرى يونانية غريبة لم تسع لغتنا بكل ثرائها فاضافوا لها سبع حروف من لغتنا الصلية ليخلقوا مسخ اعرج مدجن ومسحوق بقبضة المسيحية الثقيله, الحقيقة انا أود أن يجلو شخصا ما جهلي ويدلنبي على ما أنتجته اللغة المصرية المكتوبة بالحرف القبطي من أدب أو فنون قوليه
ثم أتت القاضية يا سيدي مع اللغة العربية, أكثر لغات العالم غرابة, اللغة التي ولدت في السماء فاتت مكفنة بالقداسة, لغة الملائكة وأهل الجنة, عجيب أن تكون لغة مقدسة وتحتوي كل هذا القدر من الفاظ السباب واللعن, تلك اللغة التي أصابت مصر بالخرس فلم تنطق حرفا بها, ما يقرب من الف وخمسمائة عام عقمت فيها مصر أن تلد أديبا واحدا يستخدم العربية, الف وخمسمائة عام دون اي أنتاج أدبي ذو قيمة بتلك اللغة المقدسة الجميلة والثرية و...الغريبه

ليس لوطني لسان يا سيدي, ولا لغة لنا , لغتنا ليست المصرية, لغتنا العربية
تبقى غريبة
ويبقى وطني غريبا
وابقى لا سند ولا دعامة لي

قل لي يا سيدي
كيف تكون كتاباتك بتلك الحياه, ويكون واقعنا بهذا الموات؟
هل في حكمتك ما يكفي لإيجابي؟

ياسر