Wednesday, January 09, 2013

الاخوان...نمر من ورق


ينشر هذا المقال مترجما إلى الفرنسيه في مجلة البديل التحرري الأناركيه الفرنسيه


الحكمه القديمه
كانت بداية التسعينيات من القرن الماضي، هي ذروة تسلط ونفوذ التيار الفاشي الديني في مصر، فهم يسيطرون على مجالس إدارات الأغلبية الساحقة للنقابات المهنيه، وأتحادات الطلاب الجامعيه تخضع لسيطرتهم المطلقه، التي وصلت حتى لأتحادات طلاب المدارس الثانويه، من الناحيه الاقتصاديه كانت أمبراطورية (شركات توظيف الأموال) الإسلامية ما زالت راسخة رغم الهجمات الحكومية التشريعية عليها، أمنيا كان نظام مبارك يخوض بيأس ووحشية حربا أهلية غير معلن عنها ضدهم لا في جنوب مصر الغارق في العشائرية والتخلف الاقتصادي فقط، بل وفي وسط القاهرة نفسها وهو ما بلغ ذروته بأغتيالهم لرئيس مجلس الشعب القوي (رفعت المحجوب) في أكتوبر 1990، بينما نشر أغتيالهم للمفكر الليبرالي فرج فوده بصيف 1992 الرعب والذعر وسط الجماعه المثقفه، التي أدركت أن تكلفة معارضتهم قد تكون الحياة نفسها، وقتها كان اليسار المصري المنهار نفسيا وتنظيميا بتأثير زلزال تفكك الاتحاد السوفيتي في أسوأ حالاته، كان الجميع يتوقع سيطرة التيار الإسلامي على الحكم ما بين لحظة وأخرى، الجميع ما عدا أحد قدامي الماركسيين وأقلهم شعبية في مصر، رفعت السعيد، الرئيس الدائم لحزب التجمع اليساري الذي كان رأيه أن التيار الإسلامي طالما أستطاع أن يصل لهذا المستوى من السيطره دون أن يستطيع قلب نظام الحكم القائم والوصول للسلطه، فإنه لن يستطيع أبدا الوصول للسلطه، بكلماته نفسها: مش حيحكموا أبدا، وقد كان ذلك الثعلب العجوز على حق، وما زال، فرغم سيطرة الاخوان على منصب الرئاسة والمجلس التشريعي، ما زالوا عاجزين تماما عن السيطرة على الدولة، ما زالوا لا يحكمون.

سقوط الأسطوره:
منظمين جدا، تنظيمهم حديدي، كوادرهم لا تعد ولا تحصى، الجماعة مزدحمة بأساتذة الجامعه والنخبه العلميه والفكريه، أستراتيجيتهم واضحه، يزرعون عناصرهم في كل مفاصل الدوله، تلك كانت بعض الأساطير التي روجت لعقود طويلة عن الأخوان المسلمين وانسحبت بالتبعيه على بقية فصائل التيار الديني، تلك كانت الأساطير التي صدقناها وروجنا لها حتى ونحن نعادي التيار الديني ونخوض الصراع المرير الطويل ضده، إلا أن تلك الأساطير التي تراكمت عبر ثمانية عقود من عمر جماعة الاخوان المسلمين تلاشت خلال شهور قليله من حكمهم المضعضع، فظهروا عشوائيين، غير منظمين، يتناقضون داخليا وتخوض قياداتهم صراع دائم فيما بينها ، عاجزين بشكل واضح حتى عن تكوين وزارة إخوانية كامله، يعانون من فقر مدقع في الكوادر السياسية أو التكنوقراطيه، يفتقدون لأي برنامج سياسي أو اقتصادي واضح، مرتبكين سياسيا وحركيا، حتى تنظيمهم الحديدي المرهوب الجانب المبني على السمع والطاعة ظهر بوضوح زائفا أجوفا، فأي تنظيم ذلك الذي يحتاج لكي يحشد عناصره لنقلهم بأتوبيسات فاخره من بيوتهم لمكان الحشد مغريا اياهم بوجبة طعام ومقابل مالي؟ هؤلاء ليسوا كوادر حزبيه تخضع لمفهوم السمع والطاعه والإلتزام الحزبي، بل هواة مأجورين لا يركن لولائهم وإلتزامهم، حتى شعبيتهم المزعومة في الشارع تتأكل بسرعة مدهشه، والسخط الذي جمعه مبارك خلال 30 عاما، أستطاع الأخوان أن يجمعوا مثله في أقل من 7 شهور من حكمهم، فالجميع تقريبا ضدهم، الرأسماليين والعمال، أهل المدن وأهل الحضر، المثقفين والأميين، الجميع ساخط عليهم ورافض لهم بدرجة أو بأخرى، وهو ما يبدو غريبا بالنسبة لتنظيم سياسي صنف دائما بأعتباره يمين سياسي معبر عن مصالح البرجوازيه، فلم تعاديه تلك البرجوازيه بشراسة أشد حتى من عداوة الطبقات الشعبية له؟

تنظيم سياسي أم عشيرة مافيا؟
عادة ما يرتكز أي تنظيم سياسي على قاعدة طبقية أو دينيه أو جهويه أو عرقيه تقولب وتشكل طرحه السياسي، فإذا ما طبقنا هذه القاعدة على تنظيم الإخوان المسلمين فإننا نجده بلا اي تمايز عرقي أو جهوي أو ديني عن الأغلبيه الساحقه من الشعب المصري، ولا حتى تمايز مذهبي داخل الإسلام السني الاشعري رغم كل محاولات حقنه بالفكر السلفي الوهابي، فلا يبقى له إلا الإنتماء الطبقي، والحقيقة أن أغلبية المحللين اليساريين – حتى المتحالفين معه- يصنفون الاخوان المسلمين كتنظيم يميني منحاز للرأسمالية والبرجوازيه، إلا أنني أختلف معهم في ذلك، فرغم أن البنية الأساسية للتنظيم تقوم على نخبة من كبار الرأسماليين فوق قاعدة من البرجوازية التجارية الكبيره والمتوسطه والناشطه في المجال الخدمي اساسا، إلا أن اشد أعداء الاخوان السياسيين ضراوة هم التنظيمات السياسيه المعبرة عن الراسمالية المصريه ورجال الأعمال، مثل حزب الوفد اليميني المحافظ، وتحالف جبهة الأنقاذ خاصة بعد أندماج حزمة من الأحزاب اليمينيه في مكونه الرئيس (حزب الدستور)، إضافة طبعا لبقايا الحزب الوطني الذي يرمي رجال أعماله بكامل ثقلهم خلف حركات (ثورية) مزعومه لا تتوقف عن الهجوم على الأخوان، كما لا يفوتنا صراعهم مع الكتلة الاقتصادية العسكريه التي أستغلت قوتها الساحقه في افشال خططهم بالاستثمار في سيناء ، على الناحية الأخرى نرصد سلوك الأخوان مع شركة (سوبريما) الفرنسية المصرية التي أنسحب الشريك الفرنسي منها لخلاف مع الحكومه حول أحقيته في الحصول على مواد خام مدعومه فأنهارت الشركه وتشرد عمالها، وتضع جماعة الأخوان ضغوطا كبيرة على وزارة البترول لتعيين عمال الشركه في مؤسسات أخرى بقطاع البترول، فهل الأخوان جماعة منحازة للعمال؟ الحقيقه لا، وعلى الإطلاق وهنا تظهر بقعة ضوء كاشفه، حين نعلم أن أغلبية عمال سوبريما ينتمون لجماعة الأخوان،- وهي حالة نادره تكاد تكون فريده- لذلك يحوزن أهتمامها ورعايتها بينما الاف العمال لعشرات الشركات المنهاره يتشردون دون أن يحوزوا أي أهتمام أو رعايه، فالأخوان في رايي كجماعه ليس لهم أنحياز طبقي، فهم مع الرأسماليه الإخوانيه، ومع العمال الأخوانيين، ومع البرجوازيه التجاريه الإخوانيه، وهم ضد الرأسماليه والعمال والفلاحين والبرجوازيه لو ليست إخوانيه، إن أنحيازهم في الحقيقه حزبي أو عشائري، هم منحازون لأنفسهم فقط كتنظيم، هم مع العمال ضد الراسماليه لو كان العمال أخوان، ومع الرأسمالي ضد العمال لو كان الرأسمالي أخوانيا، وهم بذلك يفقدون تصنيفهم كتنظيم سياسي ويصبحون اقرب لتنظيم مافيوزي أو ماسوني، يعمل لمصالح المنتمين إليه فقط دون الأرتكاز على اي تصنيف أخر، وهنا مصدر ضعفهم الشديد وحتمية سقوطهم، فهم منعزلون، مغلقون، عاجزون أو راغبون عن إقامة أي تحالف طبقي أو سياسي طويل المدى، لا يعرفون سوى أسلوب أستغلال القوى السياسيه الأخرى ونبذها عند أقرب منعطف.
النظام ذو الالف وجه :
يخطىء من يتخيل سقوط نظام مبارك أو حتى خلخلة أسسه، فنظام الدولة السلطوية القمعية الفاسده ما زال حيا وفاعلا، ينهض كل صباح ليذهب لعمله ويمارس نفوذه ويدعمه ويراكم أرباحه ومكاسبه، نظام هو تحالف واسع ما بين الرأسمالية الخدمية التابعه والمجمع الاقتصادي العسكري مرتكزا على هيكل بيروقراطي عملاق ومعقد يتجاوز عدد العاملين به خمسة ملايين، هذا النظام يعتمد في أستقراره على فهم دقيق لمناطق النفوذ بين أجنحته، التي قد تتقاطع أو تتصارع لكنها لا تجور على بعضها البعض، وما اسقط مبارك وعصبته من الليبراليين الجدد إلا لمحاولته التعدي على ذلك التوازن ومنح الراسمالية الطفيلية قطعة من كعكة المجمع الاقتصادي العسكري، والمؤسف أن أشد منافسين وأعداء الاخوان قوة وشراسة هم نظام الدولة القديم نفسه، فالحزب الوطني رغم إلغائه كتنظيم سياسي ما زال باقيا وفاعلا كعلاقات أجتماعية ومصالح أقتصاديه وتكتلات سياسيه وهو يرى الأخوان راغبين عن التحالف معه طامعين في أحتلال موقعه ، والمؤسسة العسكريه ترد بقسوة وفجاجة على أي أنتقادات توجه لقيادتها السابقه حتى لو أتت من فضيلة المرشد نفسه، والداخليه تظهر تمردا واضحا ورفضا للخضوع لأوامر السادة الجدد ونفورا من أن يستغلوها كسلاح ضد الشعب، والجهاز البيروقراطي يرفض السيطرة عليه ولا يقبل سوى منح بضع كوادر اخوانية مناصب فارغة المضمون وسط صفوفه، تأتي أقرب للمكافأت للكوادر الوسيطه منها لمحاولة حقيقيه للسيطرة على مفاصل الدوله.
إن النظام قدتخلى عن حسني مبارك وعصبته المقربه، ودفع للمقدمه بذراع أخر من اذرعته هم الاخوان المسلمين، الذي ظهر بوضوح وسرعة ضعفهم وهشاشتهم وفشلهم في فهم طبيعة اللعبه، وعجزهم عن إقامة تحالف سلطة مستقر مع إثارتهم لغضب الطبقات الشعبية برفعهم للأسعار وانهيار البنية التحتية والخدمات.
إن الاخوان ليسوا سوى حلقة من حلقات النظام الرأسمالي الإنتهازي العسكري البيروقراطي، وبقائهم أو سقوطهم تحدده قدرتهم على خلق أستقرارا إجتماعيا يبدوا عاجزين تماما عن الوصول إليه، وخلق تحالف سلطة موسع يبدوا عازفين عن تحقيقه، إنهم موضوعين ببساطة ما بين سندان سخط وغضب الشعب، وما بين مطرقة نفور وعداة النظام، إلا ان سقوطهم رغم حتميته لن يكون بالمهمة السهله، مع أنتهازية المعارضة الرسميه، وعجزها عن خلق بديل، وعجز المؤسسه العسكريه- المشلوله بصراعاتها الداخليه- عن خلق ذلك البديل، سيضطر النظام كلل لمساندتهم ضد اي هبات شعبيه لأنعدام البديل المقبول ولكونهم على اي حال جزءا أصيلا منه، خاصة أن الولايات المتحدة ما زالت تحيطهم برعايتها وقبولها رغم فشلهم التام كجزء من أستراتيجيتها لأخضاع دول الشرق الأوسط لحكم الإسلامم السياسي المعتدل تحت مظلة الهيمنة التركيه، وهي الخطه التي تبدو فاشلة حتى الأن في كلا من مصر وتونس لهشاشة التنظيم المنوط به الدور الأهم في تنفيذها، الأخوان المسلمين، النمر الورقي.

ياسر عبد القوي
الحركه الاشتراكيه التحرريه- مصرظ