Thursday, June 22, 2006

( 2 )الجــبناء و المــدن الغــريبــة و أشــياء أخــرى


تقــريبــا كــدت أخــدع نفســى , تقــريبــا نســيت أيــن أنــا , أنا فى الصحــراء , الصحــراء أر ض الموت و القســوة , الصحــراء البخــيلة الصــامتة , لا تمنــح شــيئا بلا مقابل , لا تمنح شــيئا بسهولة و طواعــية , عـليك أن تقاتلها , تخاتلهـا , تخادعها كى يمكنك أن تنتزع الحــياة مــن قـبضة الموت الذى هـو ســيدها و ســاكنها , تبـقى الصـحراء دائمــا صــحراء , يمكــنك أن تشقها بما شـئت من طرق معــبدة , و أن تغرس فى كثبانها ما شــئت مــن أبراج مكيفـة عملاقـة , بل يمكـنك حــى أن تمـلأها بالنباتات و الأشــجار , لكنهــا تبـقى كمــا هــى, الصــحراء .. تنفــث الموت من وسـط ذرات رمالها الخشــنة و يســكن العــدم و الخــواء روحها , يمكنك أن تزيل الكثبان , لكن روح العدم و الفراغ و الندرة و القســوة , لا يمكــن أزالتها , بل تبـقى راســخة متحــيدة سارية فى كل شىء , ســاريـة فى أسفلت الطرق الفاخرة , تسكن أعمدة أبراج الفولاذ العملاقة , تحتل عجلات السـيارات الفارهــه , تراهــا تلمع فى الوجوه الباردة خلف الزجاج الذى يحبس فقاقيع من البرودة الصناعية و تراها تسكن الوجوه الكالحة للعمال الذين يحترقون فى الشمس الشريرة , نعم ففى الصـحراء لا تعــود الشـمس واهــبة للحـياة , بل تصـبح نازعة لها , يتشـوه رع و يصبح له رأس جمجمة و وعينان خاويتان و جناحين من فولاذ , تنفـث الشـمس غضبا و موتا و أحتراقا , تنتزع الحياة من كل شىء , تتحالف مع الموت السـاكن فى الرمـال فلا تحتمل الكثبان الحياة , سـوى تلك التى سـلحت بالقسـوة و المخاتلة و الخـداع, تلك الصـحراء التى نزفت الأرض تحتها دمها الأسود الثقيل و من هذا الرى اللزج المثير للغثيان , ترتوى أبراج من فولاذ و خرسانة و زجاج , معابد متجهمة لألهة وحشية من ذهب و نفط , لا تقبل سوى الأضاحى البشرية , الأجساد العليلة التى تحشـر فى غرف قذرة تتأكلها الحشرات و الوحدة و الأمراض الجلدية , , أو تلتهمها الشـمس الجحيمية الشـريرة مرفوعة وسـط الأعمدة الفولاذية كما ترفع الأضاحى , أى حمق أمتلكنى حـين أردت أرسـاء جـذور ها هنا ؟ , هـذه أرض لا تقبل الجذور , أرض مسـكونة بالموت و القسـوة , أرض الغرباء و العابرين , أرض القسـاة و المخـادعـين
حـســنا إن كــانت كــذلك فلـم تبـدو ممتعــة و مراودة لهـذا الحــد؟
هــذه أرض لا أسـم لهـا و لا تاريخ , لم تمتزج تربتها بعـرق أحـد و لم يسـفك أحـد دمـه مـن أجلهـا أبدا , أرض لا أبطال لهـا و لا تاريخ , لا ذكريات و لا أصول , يمتلكهـا أصـحابهـا بقـوة القانون - كما يمتلك شخص شقة أو فيلا أشتراها - لا يمتلكونها بقوة الأستقرار و لا التاريخ ولا الحرب و لا النضــال , فقط بقوة القانون , نحـن أبناء الأرض الحـية , من أمتلكنا أوطاننا بقرون طويلة من العرق و النزف و النضال و الألفة ما بين الأرض الحية و ما بين حبات العرق و قطرات الدم , تصرخ أرواحنا جزعا هاهنا و قد راعها الموت و العدم المهيمن على كل شىء
لذلك هى ممتعة و مراودة , لا تمنحك شـيئا عميقـا ولا تستقضـيك ثمنا يذكـر , أرض أشبه بديكور المسـرح أو بمركـز تجارى عملاق , لا تتخيل أن تشق الكثبان الميتة بجذور , فلا شىء يسـتقر فوق مخاتلة الرمال , كن كالشـبح أو الظـل , امتلك القسـوة , خـادع الصـحراء , أنتزع منها ما تستطيعه , أثمل من خمر ألهة الذهب و الفولاذ , أستمتع , فلا ألم هاهنا ولا أنتماء , لا نضال و لا تاريخ , فقط الذهب و المتعة , وأطلاق كل شهواتك المادية لترتوى , أما روحك فخبئها بعيدا عميقا لئلا تجففها الشمس الشـريرة و تقتلها , أو أتركها فى أرضك , هاهنا لا وجود سوى للروبوتات البيولوجيه , أتبع البرنامج الموضوع و أستمتع و أثمل و كـن قاســيا , هـذه أرض الحـد الأقصـى مـن الأشـباع أو الحرمـان , أعشقها كما عشـق أدم شجيرة الخطيئة و أستمتع بهـا كما أستمتع هاروت و ماروت بأمتلاك الشهوه

No comments: