Monday, June 12, 2006

( 1 )الجــبناء و المــدن الغــريبــة و أشــياء أخــرى


أتســأل كــثيرا : هــل يحــكم الجــبناء العــالم؟ , هــذا النــوع الشــجاع المقــدام المدهــش المســمى ( هــومو سابيناس ) هــل أخـلى الطريق لنوع أخر من الكائنات العاقله؟ نوع من الكائنات الجبانة الأعتيادية الحذرة المملــه؟ بعــد قــرون طويلة من التطور و الأبداع و الدهشــة يبدو العالم مقفرا صــامتا , و رماديا , يمكنك أن تقرأ المئات من الصـحف دون أن تجــد مقالا واحدا مختلفا حقا أو مدهشـــا أو محطما لسـكينة النفس المملــه, كمــا يمكــنك أن تقــرأ عشــرات الكــتب دون حــتى أن تعــتدل فـى جلســتك لأن جملة مختلفة أصطدمت بتكلــس أفكــارك المعــتاد , و كــذلك يمكــنك أن تشــاهد مئات المعارض الفنيـــة دون أن تضطــر لرفع حاجــبيك أندهاشـا لأن عملا ما قد أثار فــيك روح الطــفل المنبهــر - كما يجب على الفــن أن يفعــل أو كمــا أعــتاد أن يفعــل - ذلك القفــر , الملل , الأعــتياديه, قطعــان مدهشــة فى أعدادها مــن البشــر تضـبط نفسهــا بشــكل عــجيب فى نقطــة المنتصــف , فى مســاحة الأعتياديه , لا تختلف , لا تتمايز إلا داخــل حــدود الأعــتيادية و المتعارف عليــه , تصــبح المغــامرة و الخــروج عــن المألوف و الأخــتلاف أمورا شــاذة بل الأســوأ تصــبح أمورا مســيطرا عليهــا و نظاميــة حــتى , فـى كــيش ألتقــيت صــديقا ســوريا كــان يفــرط فــى ترديد كلمــة ( نظــامى ) كصــفة لأشــياء عــديدة , تحــدث عــن الصــلاة النظــامية , و الحــب النظــامى , أى تفكــير شــيطانى يخــلق شكــلا نظــاميا لكــل شــىء فــى العــالم؟ العــالم وجــد ترياقا مــن زمــ،ن بعــيد لكــل ما من شــأنه أن يخــدش سماكة جــلد أعتياديته و وسـطيته , ترياق مركـب مــن : النظــامية و الأنتحــاليــه, و كــلا المركــبين أكتســب العــالم مهــارة واسعــة فى أســتعماله , فتمردات و تحديات الدادين و السرياليين بعشرينيات و ثلاثينيات القرن المنصرم تم أستيعابها سريعا فى تصميمات أغلفــة الشرائط الموسيقيه و اللوحات الأعلانية عن مستحضرات التجميل و الهواتف النقاله و الســيارات الفارهــه , و أفلام الرعــب التجـارية بل و حــى ألعاب الكمبيــوتر و أغانى الروك , تم تحويلها إلى أمر نظامى و متحكــم به بل و أيجابى على المســتوى التجــارى , أما الأنتحــالية فهــى ما وصـل لمســتوا أحترافى حقــا , فـى رواية ( الزهــير ) لباولو كويلو يتعــرف البطــل علــى مجمــوعة من المتشــردين البارســيين يســمون أنفســهم بالقبيلــة أو البرابرة الجــدد , تلك كــذبة متضخمــة كفقاعة الصــابون , القبيلــة كــانت شــيئا مخــتلفا كــانت قوة هائلة لأتحـاد أرادات بشــرية يربطها الدم و التاريخ المشــتركــين , كــانت أعادة تشــكيل للوعى الفردى و دمجــه فى وعى جمــاعى أعلى و أكــثر ديمومة و صــلابة , و البرابرة الـذين أحـتـلوا رومــا كــانوا أمــرا حقيقــيا , كــانوا أخــر نتــاج عــظيم للوحشــية البدائيــة للبشــر و لوقوعهم فى أســر غــريزة التحــرك فــى جمــاعة , أمــا هؤلاء الذيـن يتحـدث عــنهم كويلو فــى روايتــه بتعــاطــف فهــم ليســوا ســوى منتحــلين , رعــاع , طفيليات مدعــية , لم يتمردوا حقــا , كل ما أســتطاعوه هــو أن تنحــوا عــن الطــريق محــاولين أن يخفــوا عــجزهم عــن التأقلم بأدعاء التمــيز , يبقــون مضــحكين و مأساويين فـى أن واحــد , لنتحــدث عــن نوع أخــر مــن الانتحــال الأكــثر وضــوحأ و أنتشــارا : هــؤلاء مــن يســمون أنفســهم بــدوا و يتبــاهون بأســماء قبائلهم , الحقيقــة أجــدهم مضحــكين و مأساويين كمهــرج عجــوز ردىء التبــرج , هــؤلاء البــدو الـذين يمتطــون الســيارات رباعــية الدفــع و يســكنون منازل مكــيفة علــى أحــدث طــراز فــى مــدن حــديثة بشــوارع معــبدة و أبنيــة عمــلاقة مــن فولاذ و زجــاج , مــن يخــدعون؟ البــدوى أمتلك حــرية الفراغ و المــدى , و قــوة تحــدى الطــبيعة القاســية حــين ينهــض كــل صــباح , البــدوى أمتلك فهمــا لطــبيعة الأرض التى تحــدى قفـرهــا و قســوتهــا و فهــم مفاتيحهــا , حــتى قيمــه كــانت صــحيحــة لأتهــا كــانت تتناغــم مــع المعطــى الأجتمــأعى الخــاص بــه و الناتـج عــن التفاعــل الأنســانى البيـئى , لكــن هــؤلاء المنتحــلون يصــبحون مســوخــا و تصــبح قيمهــم رديئــة , لأنهــم لم يدركــوا أن النمـط الأجتمــاعى و الحضــارى مرتبط عضــويا بالنمــط المعــيشى البيــئى , حــين أرى هــؤلاء المنتحــلون لصــفة البدوية , أفكــر بأعــتزاز فــى قــبائل الطــوارق الشــمال أفريقيــه , وحــدهم فهمــوا ما تعــنى البداوة و بقــوا أوفــياء لنمطــهم الحضــارى , حــتى الأســلحة الناريــة مازالوا يعــدون أســخدامهــا عــارا , مــازالوا يســتخدمون رماحهم و ســيوفهم , و يمتطــون أبلهم الضــأمرة و يتفاعلــون مــع محــيط الرمــال العــظيم الـذى خــبروا الحــياة فــيه مــنذ كــان لهم وجــود , وحــدهم لهــم الحــق فــى التباهى ببداوتهــم و فى أعــتبار قيمهــم أصــيلة و تســتحق الأحــترام , أمــا بــدو اللكسز المكــيفه و الناطحــات الزجاجيه فهــم مســوخ حضــارية , و قيمهــم لا محــل لهــا مــن الأعــراب و هــى مجــرد عــائق لتطــور المجتمعات الحضــاريه و عــدوان على القــيم المــدينيه , مظهــر أخــر للأنتحــال أجــدنى دائمــأ منجــذب أليه ألا و هــو المتشــددون دينيــا من النمط البنلادينى و الظــواهــرى , منتحــلون أخــرون , ينتحــلون شــخصــيات مصــعب بن عمــير و البراء بن مالك متخـيلين أن أطلاق اللحى و أرتداء العمائم و التحــدث بلغــة كلاسيكية - لا يمتلكون زمامها تماما - كــاف لأعــادة أنتــاج التواريخ القديمــة , دون أن يدركــوا أن هــؤلاء المســلمون الأوائـل كــانوا نتاج تطــور حضــارى معــين و أن العــنف الـذى مارســوه كــان جــزئا عضــويا مــن التطــور الحضــارى و الأجتمــاعى البشــرى فــى مرحــلة زمنيــة بعــينهــا , مهــرجــون أخــرون , يرتدون مــلابس تاريخــيه و يظــنون أنهــم أخــترقــوا الأزمــنه و أعــادوا التاريخ , مــالا يفهمــه هــؤلاء الحمقــى أن المسـتلمون الأوائل قــد أنتجــوا موقفــا فكــريا و حضــاريا أنطــلاقا مــن تفاعــل حقــيقــى و صــادق مــع معــطيات تاريخــية و حضــارية حقيقيــة فــى لحــظة زمــنية كــانت خــاصــة بهــم هــم , أمــا أنتحــال ذلك الأنجــاز الحــضارى فهــو أعــتراف واضــح بالعــجز عــن التفاعــل مع المعــطى الحضــارى و الثقــافى المعــاصــر , و عــما تــام عــن رؤيــة اللحظــة التاريخــية التى ينتمــون أليهــا , لــم يكــن المســلمون الأوائل ســلفـيين , بـتل كــانوا تقــدمــين و ثوريـين مــن منــظور لحــظتهــم التاريخــيه و الحضــاريــه , كمــا لم يــكن البــدو الحقيــيقيون رجعــين ولا متحجــرين فكــريا بل كــانوا متوافقــين بيئيــاو مــبدعــين أجــتماعــيا و حضــاريا داخــل نطــاق معطياتهم الحضــارية و البيئــيه , يقــول كــار مــاركــس : ينجــز الحــدث التاريخــى مــأســاة لكن عــندمــا يكـررالتاريخ نفســه فإنه يتحــول لملهــاه و أنا أترجــم كلمــة ملهــاه لمســخره , مســخرة أن يتحــول النمــط المعــيشى لتراث و الفعــل الحضــارى لأحــتفاليه كرنفاليــه و الأداء اليومى لضــرورات البقاء لرمــزية أنتحــالية و فقــرة فــى ســيرك , لكــن فــى الســيرك الكــل يضــحك و يلهــو , أمــأ فــى ســيرك الأنتحــال الحضــارى فالجمــيع يعبســون بجــدية و تصــديق

No comments: