مدخل:
"المثقفون وحدهم هم الذين يمكنهم أكتساب الحكمة..فهؤلاء لديهم متسع من الوقت ويتمتعون بالأسترخاء والتأمل....فكيف يكتسب الحكمة من يسير خلف المحراث وهو مشغول بالعمل اليدوي طول الوقت...وكل حديثه لا يدور إلا حول الثيران والأبقار..!؟"
إيدموند بُرك- سياسي وبرلماني بريطاني
1797- 1729
وماذا بعد أن خيب هذا الشعب المستسلم الخانع أمال رجالات العلم والقيم العائلية والمشاعر السامية من رجالات الجامعه ؟،
وقبلهم خيب أمال شباب وشيوخ كفايه ومن أجل التغيير, ما الذي بقي في جعبة هذا الشعب العجيب الخانع الخاضع المستسلم؟
القضاه..هو ده ألي فاضل لكي لا يكون للناس حجه, أن يخرج القضاه بكل شموخهم وعدالتهم وعظمتهم وأوشحتهم ليقفوا للحكومة وقفة رجل واحد مطالبين بأستقلال القضاء-لا أعلم بالتحديد أستقلاله عن ماذا- ويتحدى القضاة الأجلاء الحكومة والنظام والرجل الكبير وكل مجموعة شخصيات مسلسل الكارتون المسمى الحكومه المصريه,في البدايه أندهش الشارع وأنفهش ودعكت مصر عينيهاغير مصدقه, وزمجر الأسد القضائي المهيب, وزائر ونفش معرفته المهيبة مهددا, وضرب الأرض ببراثنه القانونية والدستورية الباطشه, ووقف بكامل جلاله وبهائه وهيبته يتحدى ضباع الحكومة النهاشة وعرسها الجبانة, الحق أقول أنني أندهشت أنا الأخر وأنبهرت وجرفتني الحاله, وكدت أقف مع من وقفوا هاتفين: يا قضاة.. يا قضاة ارحمونا من الطغاة
ثم ويا للحسرة كالعادة أنفض الناس عنهم وتركوهم بمفردهم يواجهون عسف النظام ووحشيته, فكان أن غادر بعضهم أرض الوطن لبلاد تركب اللكسز والإنفينتي ليساعدوا على ترسيخ أستقلال القضاء وعدالته على ضفاف الخليج الثائر حيث معاقل تقديس الدستور وحماية أستقلال القضاء, بينما خاض أخرون معركة أخرى- وليست أخيرة- تهدف لتدعيم السلطة القضائية وترسيخ أركانها بتشددهم في مطالبة رئيس الجمهورية بتعيين ابنائهم في مناصب النيابة وأصرارهم على ذلك, ومن أفضل ممن ولد وتربى في بيت قانوني وتغذى منذ نعومة أظفاره على لبان العدالة وأحترام القانون, وما كان للوائح خاوية المضمون , جامدة وسخيفة أن تمنع هؤلاء الشباب الذي تجري في عروقه العدالة مجرى الدم من تولي مناصب النيابة ليكون لهم شرف تنسم خطوات ابائهم نحو منصات القضاء الشامخه.
لنقف هنا لنجري جردا بسيطا لعدد الحركات التمردية التي تخلت عنها الجماهير الخنوعة رغم أستماتة تلك الحركات في المطالبة بالحرية والديموقراطية والتخلص من البطش والتوريصث والتكلس الشيخوخي للنظام
1- كفايه وما رشح منها من حركات من أجل التغيير
2- أساتذة الجامعه
3-الحركات التدوينيه والفايسبوكيه
4- القضاه
الجميع خرج والجميع واجهته السلطة بكل بطشها والجميع تخلى عنهم الشعب ورفض أن يساندهم وتركهم بمفردهم
أي شعب ردىء هذا وأي جماهير مستعبدة خانعة تثير مشاعر الخجل في النفوس الحرة الأبيه؟
جملة أعتراضية: يمكن للسيدات الرقيقات القلوب وللسادة ذوي التربية المحافظة التوقف عن القراءة كما يفضل لأنصاف المثقفين المتنطعين أن ينتقلوا لمدونة أخرى ويريحوني ويستريحوا
من أين نبدأ تقييم ورصد تلك الحركات التمرديه؟
سيطر على تفكيري هذا السؤال لأيام طويلة حتى أعاقني عن الكتابه, ما هي تلك الحركات التمردية حقيقة, كيف يمكن تقييمها ورصدها بحيادية ودون الوقوع في فخ الأبتهاج الطفولي بأن الناس تتحرك وخلاص, أي حركه والسلام, ببساطه تلك الحركات التمردية هي حلقة جديدة في سلسلة الحركات الشوهاء المضطربة العبثية للطبقة البرجوازيه المصريه المشوهة التكوين والتركيب, والعاجزة لدرجة مدهشة عن أنجاز أي شىء.
لا يمنعني من وصمها بحقيقتها من حيث كونها شوهاء وعاجزه ما أعتاد الساده المهذبون قوله من كون الطبقة الوسطى (البرجوازيه) هي حاملة لقيم المجتمع , وتحذيرهم من أنقراضها وتلاشيها, أولا الساده بما فيهم بعض الملوثون بالماركسيه مخطئون في أعتقادي بأن الطبقة البرجوازيه المصريه معرضة للأنقراض, لم؟ الحقيقة أن مناعتها ضد الإنقراض لها علاقة ببدايتها الأولى والتي أتت شوهاء غير طبيعيه, فالطبقة البرجوازية المصرية تتميز بحدة عن تلك الأوروبيه بأنها لم تولد ولادة طبيعية ولم تخرج إلى النور نتاج تفاعل أجتماعي طبيعي, بل تم تخليقها تخليقا وأصطناعها صناعة بقرار سيادي, ولا يعني ذلك أن مصر لم تكن قادرة على أنتاج برجوازية طبيعيه بولادة حقيقيه, بل الحقيقة التاريخيه المؤلمه أن المجتمع الديناميكي الفعال الذي أزدهر طوال الدولة المملوكيه منتجا البوادر الأولى لتنظيمات مجتمع مدني (روابط الحرفيين), والأرهاصات الأولية لطبقة برجوازية حقيقة تنمو وسط خصوبة أزدهار التبادل التجاري وتراكم الثروات بين تجار من غير ذوي الأصول النبيلة الحاكمه (المماليك), هذا المجتمع المزدهر المتطور تعرض لأنتكاسة مخيفة حين سحقته الألة العسكرية العثمانية الهمجيه, والتي أسقطت مصر من سلم التطور التاريخي لتسقط في براثن التدهور الأجتماعي العثماني الذي كان ما يزال في مراحله الأولى من الإقطاع الشرقي مع روابط قوية مع بنيته الرعوية السابقة على تأسيس الدولة العثمانية الغازيه والمغتصبه, بداية البرجوازية الحقيقة جاءت بعدها بقرون على يد (محمد علي), الذي أحتاج لبناء دولته الحديثة خلق طبقة من المهنيين والموظفين والتكنوقراط المصريين أو المتمصرين, تلك هي الطبقة البرجوازيه المصريه, موظفين, طبقة من الموظفين والمسئولين الحكوميين, طبقة ولدت في حضن سلطة الدوله, بل خلقتها تلك الدولة وأصطنعتها لنفسها, أستكمل خلفاء محمد علي عملية تخليق وصناعة البرجوازية المصرية بتكريسهم لجهاز الدولة المركزي وخلق طبقة من الملاك الزراعيين بأصدار اللائحة السعيدية الأولى والثانية, وهو ما أستمر الإحتلال البريطاني في القيام به, تخليق وتدعيم طبقة برجوازية مكونة من موظفي الدولة وملاك الأراضي الزراعية, تلك البرجوازية المصطنعة حملت منذ البداية الأولى -بالإضافة للأمراض الأعتيادية للبرجوازية- تشوهها الخاص وفائض من الجبن والتردد والخضوع العبودي مغلف بروح رجعية محافظة وميول بيروقراطية غير عاديه, هي طبقة عاجزة عن أي فعل ثوري على الإطلاق,لماذا؟
إن مجرد المقارنة ما بين البرجوازية المصرية وتلك الغربيه لكاف جدا لإيضاح مدى تشوهها, فبينما خاضت البرجوازية الغربيه غمار حروب أهلية وثورات كبرى وأطاحت بأسر مالكة وأعدمت ملوكا وملكات لتتحرر من أسار الحكم الملكي الإقطاعي المطلق, فإن برجوازيتنا المصرية هي نتاج فرمان من ولي النعم, فهي ولدت بأمر السلطه, وهي تستمد وجودها وأمتيازاتها من السلطه, بالتحديد من الدوله الفرديه الغاشمة السيطره, بسبب هذه الطبقة البرجوازية الشوهاء المعلقة دائما ما بين خوفها المرضي من التمرد على (ولي النعم)وما بين رغبتها في زيادة نصيبها من منح السلطان أو مقاومتها لزيادة عسفه عليها عن الحد المقبول أو المحتمل, هذا التشوه البنيوي للبرجوازية المصريه أنتقلت عدواه لمجمل حركة الشعب المصري بداية من تمرد عرابي المبتسر وجبنه عن تنحية (ولي النعم)وإعلان الجمهوريه كما الح عليه عبد الله النديم, وكما وافق أعيان مصر ورؤساء طوائفها الدينيه ,أحمد عرابي (الفلاح الباشا) صنيعة (ولي النعم) لم يتخيل تنحية ولي النعم وقطع رأسه, فقط أراد قطعة إضافية من الكعكه( المزيد من الإمتيازات للظباط المصريين الأصل و بعض الحريه!!!!), وتستمر تشوهات البرجوازية المصرية تدمغ ما أصطلح على تسميته (الحركة الوطنية المصريه), فمصطفى كامل لا يتخيل وسيلة لتحرير مصر من الإحتلال الإنجليزي إلا بإعادتها للإحتلال التركي حيث تستعيد طبقة (الباشوات المصريين) الإمتيازات التي فقدتها نتيجة للأحتلال الأجنبي!!!, وهو المصير الذي أفلت منه الرائع والعظيم المهضوم الحق(محمد فريد), إلا أن محمد فريد وقع هو أيضا ضحية البرجوازية المصرية الشوهاء والخئون, ضحية سعد زغلول مؤسس حزب الوفد, حزب كبار الراسماليين وملاك الاراضي الذي دشن ما يمكن تسميته (سياسة الصالونات), حيث المُحتل يتقدم بكل أدب وكياسة لمن يحتله طالبا من كسيد مهذب أن يكون سيدا مهذبا هو الأخر ويتسم بالقدر الكافي من الكياسة بحيث ينسحب ببساطة وأدب, وإن لم يفعل فإن الواقع عليه الإحتلال سيشكوه بأدب لسادة مهذبين أخرين هم قيادات أوروبا المسعورة إستعماريا, هكذا هي سياسة الباشاوات الذين يحملون توكيلات تحريرية موقعة (لنتعجب من هذا التفكير القانوني البيروقراطي!) من أبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين, سعيا لاستقلال عن طريق التفاوض بين الناس المحترمين أبناء أصول مصر وأبناء أصول بريطانيا العظمى, أنى للزعر والحرافيش ولابسي الخيش أن يفهموا أو يعوا تلك التحركات الدبلوماسية الراقية فقد أنطلق ابناء الشوارع والغيطان هؤلاء كالسيل الهادر ليعلنوها ثورة حقيقية فاضرب العمال وقطعت خطوط المواصلات وتمزق الجهاز البيروقراطي للدولة شر ممزق تحت الضربات العنيفة للعمال والفلاحين وصغار الموظفين والمستخدمين, ثورة كادت تطيح بكل النظام العفن للدولة المصرية بملكها وأعيانها وباشاواتها وكل النسيج المريض المحيط بسرطان الأحتلال البريطاني, هنا ينتبه باشاوات الوفد إلى أن مصالحهم مهددة وأن مفاوضات الرجال المهذبين مهددة بثورة العمال والفلاحين, فيهرع الباشاوات والبهوات لأنقاذ نظام الدولة العفن من الأنهيار وليأدوا الثورة في مهدها وليطالبوا الناس بالتوقف عن ثورتهم العنيفة ليتمكن الباشوات من السعي للاستقلال بالطرق (المشروعه!), لتنتهي تلك الثورة العارمه بأتفاق أعرج مجلل بالعار تعترف فيه الدول الكبرى بالحماية البريطانية على مصر ويتم تقنين الأحتلال البريطاني والأبقاء على هيكلية النظام الإجتماعي, ولتذهب دماء شهداء الشعب قربانا لتولي الباشاوات كرسي الحكومة العرجاء, عذرا ..نسيت, سعد باشا زغلول الوطني الكبير رفض عودة محمد فريد للإشتراك في ثورة 1919 !!!, ولكي لا ننسى أن من أوائل قرارات الحكومة الوفدية الوطنية حل الحزب الشيوعي المصري وأعتباره غير شرعي, وطنيين بقى.....
بعد تلك الطعنة التي وجهتها البرجوازية المصرية أنخرطت جمعيات الباشوات والبهوات المسماة (أحزاب) في رقصتها الشاذة مع الأحتلال والعفن المسمى (ملك مصر والسودان) في الاعيب سياسية لا تنتهي مشدودة ما بين طرفين, البحث عن استقلال لا يمكن تحقيقه تفاوضيا والخوف من أنفجار الطبقات الشعبية التي لم تتوقف عن التضحية بدمائها وخبزها من أجل الأستقلال, لتاتي حركة البرجوازية الأكثر قوة وخبثا ونجاحا.....أنقلاب 1952- وعذرا للعفن الفكري الملكي والليبرالي إن كنت استعمل تعبيركم الأثير (أنقلاب الجيش 1952)-, فالبرجوازية المصرية أو بالتحديد الطبقة السفلى من البرجوازية المصرية وقد ملت أنتظار أن تقتسم معها البرجوازية الكبيرة كعكة (مصر المحروسه) قررت التحرك لتطيح بالمستأثرين بالثورة وتنتزع منهم الأوزة كاملة بدلا من أن ترضى بفتاتها, تلك الحركة التي كشفت عن وجهها مبكرا جدا, فأخرجت العفن المكتنز المسمى (فاروق الأول) من مصر مع 21 طلقة تحية وتشريفة من ظباط الحركة المباركة, وأعدمت العاملين (مصطفى خميس), و(محمد البقري-17 عاما) لإتهامهما بقيادة إضراب في مصنع أحد الراسماليين الكبار (باشا) بمدينة كفر الدوار, أنقلاب البرجوازيه الذي تعلم قواعد اللعبه جيدا فاسرع برشوة الطبقات الكادحة بأكاذيب (تحديد الملكية الزراعية) و(خمس فدادين..فدادين خمسه)، والتأميم ....خديعته العظمى حيث تتحول الدولة إلى أكبر راسمالي في البلد, ليصبح بيدها العصا والجزره ويصبح التمرد عليها خيانه, والإضراب أخلال بالأمن القومي, ولتامم النقابات ولتدخل الطبقة العاملة في سبات طويل لذيذ بتاثير رشاوي تغدقها عليها الدوله, ولتتضخم طبقة الموظفين والبيروقراطيين, ولما لا؟ الم تولد الطبقة البرجوازية على شكل موظفين دولة وبيروقراطيين؟ فالأوجب أن يتم تدعيمها وتغذيتها بجعل أغلب الشعب (موظفين) لدى الدولة لتكون الطبقة البرجوازية البيروقراطية هي الأكثر عددا والأوفر نفيرا, بينما كان يتم تجميع ثروة مصر وتضخيمها لصالح البرجوازية الكبيرة التي كانت تتلمظ خلف ستار الظباط عديمي الخبرة السياسة والذين يعانون من كم هائل من السذاجة الفكرية وأنعدام الرؤية الأيدولوجيه, البرجوازية البيروقراطية الصغيرة التي سيطرت على مصر في عهد عبد الناصر تحولت لبرجوازية راسمالية عميلة في عهد السادات, لتتحول لأحتكارية فاسدة ووحشية في عهد مبارك حيث تباع مصر بالجملة والقطاعي لرجال أعمال مجهولي الاصول ومطعون في نزاهتهم وشرعية ثرواتهم, يعملون في الأغلب واجهات لراسمالية أجنبية متحالفة ومشاركة لطبقة حاكمه أوصلت الفساد لافاق جديدة.
تلك عجالة لتاريخ البرجوازية المصرية الشوهاء العاجزه والتي لم تتوقف ابدا عن تشويه نضال الشعب المصري واصابته بالعرج والكساح السياسي والفكري والتي مازالت تصر على طرح نفسها كقاطرة لنضال المصريين رغم كل فشلها عبر قرن ونصف من الزمن وصولا غلى المسخره والعبث الفكري والسياسي الذي تقدمه الأن, وهو ما سنتوسع في إلقاء الضوء عليه بالجمعه القادمه.
ياسر
"المثقفون وحدهم هم الذين يمكنهم أكتساب الحكمة..فهؤلاء لديهم متسع من الوقت ويتمتعون بالأسترخاء والتأمل....فكيف يكتسب الحكمة من يسير خلف المحراث وهو مشغول بالعمل اليدوي طول الوقت...وكل حديثه لا يدور إلا حول الثيران والأبقار..!؟"
إيدموند بُرك- سياسي وبرلماني بريطاني
1797- 1729
وماذا بعد أن خيب هذا الشعب المستسلم الخانع أمال رجالات العلم والقيم العائلية والمشاعر السامية من رجالات الجامعه ؟،
وقبلهم خيب أمال شباب وشيوخ كفايه ومن أجل التغيير, ما الذي بقي في جعبة هذا الشعب العجيب الخانع الخاضع المستسلم؟
القضاه..هو ده ألي فاضل لكي لا يكون للناس حجه, أن يخرج القضاه بكل شموخهم وعدالتهم وعظمتهم وأوشحتهم ليقفوا للحكومة وقفة رجل واحد مطالبين بأستقلال القضاء-لا أعلم بالتحديد أستقلاله عن ماذا- ويتحدى القضاة الأجلاء الحكومة والنظام والرجل الكبير وكل مجموعة شخصيات مسلسل الكارتون المسمى الحكومه المصريه,في البدايه أندهش الشارع وأنفهش ودعكت مصر عينيهاغير مصدقه, وزمجر الأسد القضائي المهيب, وزائر ونفش معرفته المهيبة مهددا, وضرب الأرض ببراثنه القانونية والدستورية الباطشه, ووقف بكامل جلاله وبهائه وهيبته يتحدى ضباع الحكومة النهاشة وعرسها الجبانة, الحق أقول أنني أندهشت أنا الأخر وأنبهرت وجرفتني الحاله, وكدت أقف مع من وقفوا هاتفين: يا قضاة.. يا قضاة ارحمونا من الطغاة
ثم ويا للحسرة كالعادة أنفض الناس عنهم وتركوهم بمفردهم يواجهون عسف النظام ووحشيته, فكان أن غادر بعضهم أرض الوطن لبلاد تركب اللكسز والإنفينتي ليساعدوا على ترسيخ أستقلال القضاء وعدالته على ضفاف الخليج الثائر حيث معاقل تقديس الدستور وحماية أستقلال القضاء, بينما خاض أخرون معركة أخرى- وليست أخيرة- تهدف لتدعيم السلطة القضائية وترسيخ أركانها بتشددهم في مطالبة رئيس الجمهورية بتعيين ابنائهم في مناصب النيابة وأصرارهم على ذلك, ومن أفضل ممن ولد وتربى في بيت قانوني وتغذى منذ نعومة أظفاره على لبان العدالة وأحترام القانون, وما كان للوائح خاوية المضمون , جامدة وسخيفة أن تمنع هؤلاء الشباب الذي تجري في عروقه العدالة مجرى الدم من تولي مناصب النيابة ليكون لهم شرف تنسم خطوات ابائهم نحو منصات القضاء الشامخه.
لنقف هنا لنجري جردا بسيطا لعدد الحركات التمردية التي تخلت عنها الجماهير الخنوعة رغم أستماتة تلك الحركات في المطالبة بالحرية والديموقراطية والتخلص من البطش والتوريصث والتكلس الشيخوخي للنظام
1- كفايه وما رشح منها من حركات من أجل التغيير
2- أساتذة الجامعه
3-الحركات التدوينيه والفايسبوكيه
4- القضاه
الجميع خرج والجميع واجهته السلطة بكل بطشها والجميع تخلى عنهم الشعب ورفض أن يساندهم وتركهم بمفردهم
أي شعب ردىء هذا وأي جماهير مستعبدة خانعة تثير مشاعر الخجل في النفوس الحرة الأبيه؟
جملة أعتراضية: يمكن للسيدات الرقيقات القلوب وللسادة ذوي التربية المحافظة التوقف عن القراءة كما يفضل لأنصاف المثقفين المتنطعين أن ينتقلوا لمدونة أخرى ويريحوني ويستريحوا
من أين نبدأ تقييم ورصد تلك الحركات التمرديه؟
سيطر على تفكيري هذا السؤال لأيام طويلة حتى أعاقني عن الكتابه, ما هي تلك الحركات التمردية حقيقة, كيف يمكن تقييمها ورصدها بحيادية ودون الوقوع في فخ الأبتهاج الطفولي بأن الناس تتحرك وخلاص, أي حركه والسلام, ببساطه تلك الحركات التمردية هي حلقة جديدة في سلسلة الحركات الشوهاء المضطربة العبثية للطبقة البرجوازيه المصريه المشوهة التكوين والتركيب, والعاجزة لدرجة مدهشة عن أنجاز أي شىء.
لا يمنعني من وصمها بحقيقتها من حيث كونها شوهاء وعاجزه ما أعتاد الساده المهذبون قوله من كون الطبقة الوسطى (البرجوازيه) هي حاملة لقيم المجتمع , وتحذيرهم من أنقراضها وتلاشيها, أولا الساده بما فيهم بعض الملوثون بالماركسيه مخطئون في أعتقادي بأن الطبقة البرجوازيه المصريه معرضة للأنقراض, لم؟ الحقيقة أن مناعتها ضد الإنقراض لها علاقة ببدايتها الأولى والتي أتت شوهاء غير طبيعيه, فالطبقة البرجوازية المصرية تتميز بحدة عن تلك الأوروبيه بأنها لم تولد ولادة طبيعية ولم تخرج إلى النور نتاج تفاعل أجتماعي طبيعي, بل تم تخليقها تخليقا وأصطناعها صناعة بقرار سيادي, ولا يعني ذلك أن مصر لم تكن قادرة على أنتاج برجوازية طبيعيه بولادة حقيقيه, بل الحقيقة التاريخيه المؤلمه أن المجتمع الديناميكي الفعال الذي أزدهر طوال الدولة المملوكيه منتجا البوادر الأولى لتنظيمات مجتمع مدني (روابط الحرفيين), والأرهاصات الأولية لطبقة برجوازية حقيقة تنمو وسط خصوبة أزدهار التبادل التجاري وتراكم الثروات بين تجار من غير ذوي الأصول النبيلة الحاكمه (المماليك), هذا المجتمع المزدهر المتطور تعرض لأنتكاسة مخيفة حين سحقته الألة العسكرية العثمانية الهمجيه, والتي أسقطت مصر من سلم التطور التاريخي لتسقط في براثن التدهور الأجتماعي العثماني الذي كان ما يزال في مراحله الأولى من الإقطاع الشرقي مع روابط قوية مع بنيته الرعوية السابقة على تأسيس الدولة العثمانية الغازيه والمغتصبه, بداية البرجوازية الحقيقة جاءت بعدها بقرون على يد (محمد علي), الذي أحتاج لبناء دولته الحديثة خلق طبقة من المهنيين والموظفين والتكنوقراط المصريين أو المتمصرين, تلك هي الطبقة البرجوازيه المصريه, موظفين, طبقة من الموظفين والمسئولين الحكوميين, طبقة ولدت في حضن سلطة الدوله, بل خلقتها تلك الدولة وأصطنعتها لنفسها, أستكمل خلفاء محمد علي عملية تخليق وصناعة البرجوازية المصرية بتكريسهم لجهاز الدولة المركزي وخلق طبقة من الملاك الزراعيين بأصدار اللائحة السعيدية الأولى والثانية, وهو ما أستمر الإحتلال البريطاني في القيام به, تخليق وتدعيم طبقة برجوازية مكونة من موظفي الدولة وملاك الأراضي الزراعية, تلك البرجوازية المصطنعة حملت منذ البداية الأولى -بالإضافة للأمراض الأعتيادية للبرجوازية- تشوهها الخاص وفائض من الجبن والتردد والخضوع العبودي مغلف بروح رجعية محافظة وميول بيروقراطية غير عاديه, هي طبقة عاجزة عن أي فعل ثوري على الإطلاق,لماذا؟
إن مجرد المقارنة ما بين البرجوازية المصرية وتلك الغربيه لكاف جدا لإيضاح مدى تشوهها, فبينما خاضت البرجوازية الغربيه غمار حروب أهلية وثورات كبرى وأطاحت بأسر مالكة وأعدمت ملوكا وملكات لتتحرر من أسار الحكم الملكي الإقطاعي المطلق, فإن برجوازيتنا المصرية هي نتاج فرمان من ولي النعم, فهي ولدت بأمر السلطه, وهي تستمد وجودها وأمتيازاتها من السلطه, بالتحديد من الدوله الفرديه الغاشمة السيطره, بسبب هذه الطبقة البرجوازية الشوهاء المعلقة دائما ما بين خوفها المرضي من التمرد على (ولي النعم)وما بين رغبتها في زيادة نصيبها من منح السلطان أو مقاومتها لزيادة عسفه عليها عن الحد المقبول أو المحتمل, هذا التشوه البنيوي للبرجوازية المصريه أنتقلت عدواه لمجمل حركة الشعب المصري بداية من تمرد عرابي المبتسر وجبنه عن تنحية (ولي النعم)وإعلان الجمهوريه كما الح عليه عبد الله النديم, وكما وافق أعيان مصر ورؤساء طوائفها الدينيه ,أحمد عرابي (الفلاح الباشا) صنيعة (ولي النعم) لم يتخيل تنحية ولي النعم وقطع رأسه, فقط أراد قطعة إضافية من الكعكه( المزيد من الإمتيازات للظباط المصريين الأصل و بعض الحريه!!!!), وتستمر تشوهات البرجوازية المصرية تدمغ ما أصطلح على تسميته (الحركة الوطنية المصريه), فمصطفى كامل لا يتخيل وسيلة لتحرير مصر من الإحتلال الإنجليزي إلا بإعادتها للإحتلال التركي حيث تستعيد طبقة (الباشوات المصريين) الإمتيازات التي فقدتها نتيجة للأحتلال الأجنبي!!!, وهو المصير الذي أفلت منه الرائع والعظيم المهضوم الحق(محمد فريد), إلا أن محمد فريد وقع هو أيضا ضحية البرجوازية المصرية الشوهاء والخئون, ضحية سعد زغلول مؤسس حزب الوفد, حزب كبار الراسماليين وملاك الاراضي الذي دشن ما يمكن تسميته (سياسة الصالونات), حيث المُحتل يتقدم بكل أدب وكياسة لمن يحتله طالبا من كسيد مهذب أن يكون سيدا مهذبا هو الأخر ويتسم بالقدر الكافي من الكياسة بحيث ينسحب ببساطة وأدب, وإن لم يفعل فإن الواقع عليه الإحتلال سيشكوه بأدب لسادة مهذبين أخرين هم قيادات أوروبا المسعورة إستعماريا, هكذا هي سياسة الباشاوات الذين يحملون توكيلات تحريرية موقعة (لنتعجب من هذا التفكير القانوني البيروقراطي!) من أبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين, سعيا لاستقلال عن طريق التفاوض بين الناس المحترمين أبناء أصول مصر وأبناء أصول بريطانيا العظمى, أنى للزعر والحرافيش ولابسي الخيش أن يفهموا أو يعوا تلك التحركات الدبلوماسية الراقية فقد أنطلق ابناء الشوارع والغيطان هؤلاء كالسيل الهادر ليعلنوها ثورة حقيقية فاضرب العمال وقطعت خطوط المواصلات وتمزق الجهاز البيروقراطي للدولة شر ممزق تحت الضربات العنيفة للعمال والفلاحين وصغار الموظفين والمستخدمين, ثورة كادت تطيح بكل النظام العفن للدولة المصرية بملكها وأعيانها وباشاواتها وكل النسيج المريض المحيط بسرطان الأحتلال البريطاني, هنا ينتبه باشاوات الوفد إلى أن مصالحهم مهددة وأن مفاوضات الرجال المهذبين مهددة بثورة العمال والفلاحين, فيهرع الباشاوات والبهوات لأنقاذ نظام الدولة العفن من الأنهيار وليأدوا الثورة في مهدها وليطالبوا الناس بالتوقف عن ثورتهم العنيفة ليتمكن الباشوات من السعي للاستقلال بالطرق (المشروعه!), لتنتهي تلك الثورة العارمه بأتفاق أعرج مجلل بالعار تعترف فيه الدول الكبرى بالحماية البريطانية على مصر ويتم تقنين الأحتلال البريطاني والأبقاء على هيكلية النظام الإجتماعي, ولتذهب دماء شهداء الشعب قربانا لتولي الباشاوات كرسي الحكومة العرجاء, عذرا ..نسيت, سعد باشا زغلول الوطني الكبير رفض عودة محمد فريد للإشتراك في ثورة 1919 !!!, ولكي لا ننسى أن من أوائل قرارات الحكومة الوفدية الوطنية حل الحزب الشيوعي المصري وأعتباره غير شرعي, وطنيين بقى.....
بعد تلك الطعنة التي وجهتها البرجوازية المصرية أنخرطت جمعيات الباشوات والبهوات المسماة (أحزاب) في رقصتها الشاذة مع الأحتلال والعفن المسمى (ملك مصر والسودان) في الاعيب سياسية لا تنتهي مشدودة ما بين طرفين, البحث عن استقلال لا يمكن تحقيقه تفاوضيا والخوف من أنفجار الطبقات الشعبية التي لم تتوقف عن التضحية بدمائها وخبزها من أجل الأستقلال, لتاتي حركة البرجوازية الأكثر قوة وخبثا ونجاحا.....أنقلاب 1952- وعذرا للعفن الفكري الملكي والليبرالي إن كنت استعمل تعبيركم الأثير (أنقلاب الجيش 1952)-, فالبرجوازية المصرية أو بالتحديد الطبقة السفلى من البرجوازية المصرية وقد ملت أنتظار أن تقتسم معها البرجوازية الكبيرة كعكة (مصر المحروسه) قررت التحرك لتطيح بالمستأثرين بالثورة وتنتزع منهم الأوزة كاملة بدلا من أن ترضى بفتاتها, تلك الحركة التي كشفت عن وجهها مبكرا جدا, فأخرجت العفن المكتنز المسمى (فاروق الأول) من مصر مع 21 طلقة تحية وتشريفة من ظباط الحركة المباركة, وأعدمت العاملين (مصطفى خميس), و(محمد البقري-17 عاما) لإتهامهما بقيادة إضراب في مصنع أحد الراسماليين الكبار (باشا) بمدينة كفر الدوار, أنقلاب البرجوازيه الذي تعلم قواعد اللعبه جيدا فاسرع برشوة الطبقات الكادحة بأكاذيب (تحديد الملكية الزراعية) و(خمس فدادين..فدادين خمسه)، والتأميم ....خديعته العظمى حيث تتحول الدولة إلى أكبر راسمالي في البلد, ليصبح بيدها العصا والجزره ويصبح التمرد عليها خيانه, والإضراب أخلال بالأمن القومي, ولتامم النقابات ولتدخل الطبقة العاملة في سبات طويل لذيذ بتاثير رشاوي تغدقها عليها الدوله, ولتتضخم طبقة الموظفين والبيروقراطيين, ولما لا؟ الم تولد الطبقة البرجوازية على شكل موظفين دولة وبيروقراطيين؟ فالأوجب أن يتم تدعيمها وتغذيتها بجعل أغلب الشعب (موظفين) لدى الدولة لتكون الطبقة البرجوازية البيروقراطية هي الأكثر عددا والأوفر نفيرا, بينما كان يتم تجميع ثروة مصر وتضخيمها لصالح البرجوازية الكبيرة التي كانت تتلمظ خلف ستار الظباط عديمي الخبرة السياسة والذين يعانون من كم هائل من السذاجة الفكرية وأنعدام الرؤية الأيدولوجيه, البرجوازية البيروقراطية الصغيرة التي سيطرت على مصر في عهد عبد الناصر تحولت لبرجوازية راسمالية عميلة في عهد السادات, لتتحول لأحتكارية فاسدة ووحشية في عهد مبارك حيث تباع مصر بالجملة والقطاعي لرجال أعمال مجهولي الاصول ومطعون في نزاهتهم وشرعية ثرواتهم, يعملون في الأغلب واجهات لراسمالية أجنبية متحالفة ومشاركة لطبقة حاكمه أوصلت الفساد لافاق جديدة.
تلك عجالة لتاريخ البرجوازية المصرية الشوهاء العاجزه والتي لم تتوقف ابدا عن تشويه نضال الشعب المصري واصابته بالعرج والكساح السياسي والفكري والتي مازالت تصر على طرح نفسها كقاطرة لنضال المصريين رغم كل فشلها عبر قرن ونصف من الزمن وصولا غلى المسخره والعبث الفكري والسياسي الذي تقدمه الأن, وهو ما سنتوسع في إلقاء الضوء عليه بالجمعه القادمه.
ياسر