ينشر هذا المقال مترجما للفرنسيه في العدد القادم لمجلة
التحررية الفرنسيه
من هو الرجل الأكثر تأثيرا ونفوذا في
التوجهات الاقتصاديه لحكومة الاخوان المسلمين الحاكمة بمصر؟
قد يجد الكثيرون أجابة هذا السؤال سهلة أو
حتى بديهيه، فيذكرون هذا القيادي أو ذاك من قيادات الاخوان المسلمين، إلا أن مثل
تلك الإجابات ليست صحيحه، فالرجل الأكثر تأثيرا في السياسة الاقتصادية لحكومة
الاخوان ليس قابعا في قصر الرئاسة، وليس واحدا من أعضاء مكتب إرشاد جماعة الاخوان
المسلمين، ولا حتى واحدا من أعضاء وزارة هشام قنديل رئيس وزراء مرسي
أول رئيس
أخواني بالتاريخ.
تقول الأسطورة أنه يقبع في زنزانة بسجن طره
الذي تم أعادة تأهيله لمستوى الخمس نجوم ليليق بنخبة من كبار رجالات عصر مبارك،
وإن كان الكثيرون- وأنا منهم- يتشككون في وجوده بالسجن اصلا.
إنه جمال مبارك، الأبن الصغر للرئيس السابق
حسني مبارك، والمتهم بعدة أتهامات مالية كالتلاعب بالبورصه، وهو قيد الحبس أنتظارا
لمحاكمات تؤجل باستمرار، وهو الرجل الذي أعتبر رمزا لكل ماهو مكروه ومرفوض وفاسد
وأستغلالي بنظام مبارك.
لكن كيف يؤثر جمال مبارك الطفل الذهبي للنظام السابق على النظام الذي حملته لكرسي
الحكم ثورة 25 يناير التي خرجت لاسقاط ذلك النظام؟
كان
جمال مبارك بصفته الأمين العام المساعد وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم
قبل 25 يناير 2011 هو عراب ما سمي (الفكر الجديد) وهي حزمة غائمة التفاصيل أطلقها
جمال مبارك ومجموعته من رجال الأعمال المسيطرين على النظام بعد أنتخابات الرئاسة
2005 كانت تعني اساسا التخلي عن البقية الباقيه من الرشاوي الإجتماعيه التي تقدمها
الدوله مثل دعم السلع الغذائيه الأساسيه والكهرباء والمياه والوقود، وتبني أقتصادا
ليبراليا يقوم على مبادىء الليبراليه الجديده التي تبنتها أدارة الرئيس الأمريكي
السابق جورج دابليو بوش، مع التصدي بضراوة لاي تحركات عمالية أو شعبيه تقاوم أنحدار
مستوياتها الحياتية – الرديئة أصلا- بسبب هذه السياسات الاقتصادية اليمينيه
العنيفه.
أنك تستطيع أن تشتم رائحة جمال مبارك وفكره
الجديد في تصريحات السادة الجدد من الأخوان المسلمين، والحكومة التي عينوها ، بل
إنك لا تستطيع أن تتجاهل حضوره الطاغين فهاهو "حسن مالك" رجل الأعمال
والقيادي الأخواني الشهير يصرح لوكالة رويترز بتاريخ 27 أكتوبر 2011 قائلا : (إن السياسات
الاقتصادية التى كانت متبعة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك كانت تسير فى الطريق الصحيح
لكن شابها تفشى الفساد والمحسوبية.. يمكن أن نستفيد من القرارات الاقتصادية السابقة،
عرف رشيد محمد رشيد جيدا كيف يجتذب الاستثمارات الأجنبية وكانت قراراته صائبة فى هذا
الصدد) ورشيد محمد رشيد المذكور في حديثه هو رجل أعمال من عيار عالمي ووزير
الصناعة والتجارة المصري في أواخر عهد حسني مبارك والذي اضطر للخروج هاربا من مصر
في أواخر عام 2011 بعد أن طاردته أتهامات فساد عديده.
ويصرح خيرت الشاطر القيادي الأخواني الاقوى
والذي يهمس الكثيرون بأنه الرئيس الحقيقي خلف محمد مرسي صرح في حوار لرويترز كذلك
ان أن القطاع الخاص يجب أن يشارك فى مشاريع البنية التحتية كالمياه
والكهرباء نظرا لعجز الدولة وهو الموقف الذي لم يتجرا نظام مبارك بكل فساده وميوله
الراسمالية على تبنيه.
وفي الخامس من مايو الماضي حضر خيرت
الشاطر دعوة غداء دعت إليها غرفة التجارة الأمريكية في فندق الفورسيزونز الفاخر
بحي جاردن سيتي الارستقراطي بوسط القاهره، لمناقشة مشروع النهضه الإخواني وكان
الشاطر عند حسن ظن مضيفيه فألقى كلمة أكد فيها التزامه بتعزيز الأسواق
الحرة، والاستثمار الأجنبي والمصالح التجارية الأخرى، وكما صرح أعضاء بالغرفة
التجارية الأمريكية فقد لاقت كلمته الكثير من الترحيب منهم.
أما وزير القوى العامله في حكومة
الأخوان فقد اثبت توجهاته الاقتصادية في الأيام الاولى لتوليه منصبه بدفاعه عن
عملية الخصخصه التي بدأها نظام مبارك في التسعينيات والتي كانت أكبر عملية نهب
وأهدار للأصول المملوكة للدوله، وأكبر حملة تفكيك للقاعده الصناعيه المصريه.
هذه هي التصريحات، فماذا عن ما يحدث
على الأرض فعلا؟
وزير الداخليه المصري بحكومة الأخوان
يتباهى بأن قوات الأمن قامت بأستخدام القوة والغاز المسيل للدموع بفض خمس وقفات
أحتجاجية مختلفة قام بها عمال يحتجون على سوء ظروف العمل أو مواطنون يحتجون على
أنهيار الخدمات الأساسية، بل طورت وزارة الداخليه أدائها وأصبحت تعتقل بهدوء من
تشك أنهم يحرضون على تلك الوقفات الاحتجاجيه، وهو ما تباهت به الوزارة في بيان
رسمي أصدرته يوم 13 أغسطس، حيث أعتقلت 21 مواطنا في 48 ساعة فقط بتهمة التحريض على
الأحتجاج السلمي.
إنها سياسة القمع المباركية نفسها تتم
تحت مظلة صمت تام من القوى السياسيه التي طالما رفعت أصواتها أعتراضا على حكم
مبارك، والتي أختارت أن تصمت تماما على تجاوزات نظام الأخوان.
شبح جمال مبارك وفكره الجديد يظهر في
كل مكان
لكن هل كان ذلك الشاب – مواليد 1965-
خريج الجامعة الأمريكية بالقاهرة والحاصل على ماجستير في أدارة الأعمال صاحب تلك
القاعدة الفكرية التي تبناها النظام القديم ويتبناها حاليا النظام الجديد؟
للأجابة على هذا السؤال علينا أن نعود
لجمال أخر، ابعد زمنا ومختلفا كثيرا، علينا أن نعود لجمال عبد الناصر، ربما يبدو
الربط ما بين جمال عبد الناصر وجمال مبارك غريبا، إلا ان اولهما كان المنبع
وثانيهما المصب، فعبد الناصر بعد أن فكك الراسمالية المصرية البدائية والتي كان
استغلالها للعمال أسطوريا، أنشأ قاعدة أقتصادية ضخمة مملوكة للدوله لتكون قاعدة
مشروعه القومي، هذه الملكية الحكومية الضخمة التي شملت كل النشاط الأقتصادي تقريبا
بداية من مجمعات صناعية عملاقه وصولا لمحلات لبيع الساندوتشات، لم تنشىء فقط طبقية
بيروقراطية عريضة ارتبط وجودها بالدولة وأثرت بتفشي الفساد في الجهاز الحكومي، بل
أوجدت طبقة رأسمالية جديدة كان نموذجها القياسي هو (مقاول الباطن)، ذلك الديناصور
الأقتصادي الحكومي الناصري خلق حوله الالاف من الكيانات الاقتصادية التي تعايشت
عليه على شكل مقاولين باطن وموردين ومقدمين للخدمات ، وغالبا ما كانت الشركات
الحكومية ليست أكثر من موزع للأعمال على مجموعة من الشركات الخاصة الأصغر التي تحصل
على نصيبها الوافر من كعكة الارباح الحكومية، هذه الشبكة القوية من (مقاولين
الباطن)، راكمت الأرباح وأسهمت في افساد البيروقراطية الحكومية على نطاق واسع،
لكنها لم تجرؤ على على ابراز ثروتها خوفا من التأميم وحزمة القوانين التي أعتبرت
اشتراكية وقتها.
إلا ان الزمن تغير، بوفاة ناصر وصعود
السادات للحكم، بدا ما يطلق عليه سياسات الانفتاح الأقتصادي والتي كانت في الحقيقه
فتح الباب للحالة الإستهلاكيه بالمفهوم الرأسمالي الغربي لتوفير الكماليات لطبقة
جديدة راكمت ثروات طائلة في العصر الناصري، ولعل تعبير السادات نفسه يوحي بأهداف
ذلك الأنفتاح : ( اقناع الناس باخراج النقود التي يخبئونها تحت البلاطه)، سيطر على
هذا العصر رجال أعمال غير متعلمين غالبا يجمعون ما بين أنشطة شرعية واخرى لا
شرعيه، وكان النشاط الغالب وقتها هو الأستيراد والأستثمار العقاري، إلا ان القاعدة
الإقتصادية الحكومية لم تمس، فما زالت مصدر للإثراء ووسيلة لضخ أموال طائله في
ساقية الراسمالية الطفيلية الناشئه.
مبارك كان عصرا مختلفا، وخاصة منذ
بداية التسعينيات، بعد أن وصل تدفق أموال العاملين بالخليج لذروته، أنحسر دور رجال
الأعمال الطفيليين ذوي المستوى التعليمي المنخفض- بعضهم كان أميا تماما- وحلت
مرحلة رجال الأعمال الحاملين لدرجة الدكتوراه
الذين يعملون بأنشطة صناعية كوكلاء لماركات عالميه أو كموفرين لأحتياجات
الأسواق العالميه من منتجات لا يرحب العالم المتقدم كثيرا بمصانعها مثل مصانع السيراميك
والأسمنت وأسود الكربون، كما فتحت الابواب على مصراعيها للنشاط العقاري السياحي ،
والمثير أن ذلك الجيل الجديد من رجال الأعمال يبدو كأنما ظهر من اللامكان دون اصول
واضحه لثرواتهم الهائله، والبعض يهمس أنهم ليسوا سوى واجهات مصطنعه وأن المال هو
مال كبار رجال الدوله تراكم عبر سنوات من الفساد وأستغلال النفوذ، تلك هي الحقبه
التي فتحت فيها الأبواب على مصراعيها للرأسماليه العالميه لدخول السوق المصري
ووضعت اساسيات الأقتصاد الراسمالي بتأسيس بورصة الاوراق الماليه، وأصدار حزمة قوانين
تدعم رجال الأعمال والمستثمرين مانحة اياهم أعفاءات جمركية وضرائبية، ومانعة أنشاء
نقابات عمالية في الشركات المنشأة طبقا لقانون الأستثمار، كان صعود جمال مبارك
لمناصبه بالحزب الحاكم تتويجا لهذا التوجه، كان راس حربة لجيل جديد من رجال
الأعمال، مرتبطين بالراسمالية العالمية بقوه، يمارسون أنشطة أقتصادية متعددة لا
انتاجية في أغلبها كالمضاربة على العقارات والأتصالات وتجارة التجزئه والمضاربة
على الأوراق الماليه، في هذا العصر بدا الصعود الكبير للأخوان كقوة أقتصادية،
كجمعية خاصة لرجال أعمال ينشطون في الأستيراد وتجارة التجزئه وغسيل الأموال ،
كانوا جزئا من الحقبه النيوليبرالية الجديدة بكل تفاصيلها، كانوا جزئا من النظام
دخلوا مع رجال أعماله في مشاركات اقتصادية ، وتفاهمات سياسية، منحتهم 88 مقعدا في
برلمان 2005، كما أخذوا نصيبهم الطبيعي من الصراعات والخسائر في بيئة اتسمت دائما
بالعدوانيه والصراع المستمر ما بين الأجنحة المختلفة للنظام، وهو صراع لم يكن
محوره أيدولوجيا بقدر ما كان اقتصاديا وعلى مناطق النفوذ، إلا أن صراعا كان يدور
فعلا داخل النظام، وعلى اعلى مستوياته، كان صراعا ما بين الحرس القديم بقيادة
مبارك نفسه ومجموعته التي ورث أغلبها عن الأتحاد الاشتراكي الناصري والتي كان
يتساقط أعضائها واحدا تلو الأخر بسبب الصراع مع الجناح الجديد الذي كان واجهته
جمال مبارك، الحرس القديم الأتي من الحقبة الناصرية لم يكن اقل أيمانا
بالراسمالية، إلا أنه كان يدرك بخبرته أن خطوطا حمراء لا يجب أن تتجاوز، وان مكاسب
أجتماعية لا يمكن إلغائها مهما تأكلت هي ما يمنع أنفجار الغضب الشعبي ليسقط النظام
المتهالك بفعل تفشي الفساد فيه، بينما كان الحرس الجديد الوفي لاقصى حد للمفاهيم
النيوليبرالية والمزهو بدرجات الدكتوراه التي يمتلكها أغلب أعضائه يرغب في القطيعة
التامة مع الحقبة الناصرية، وفي تطبيق الحد الأقصى من اقتصاد السوق والغاء كل
اشكال الدعم الحكومي، وتسليم البنيه التحتيه للقطاع الخاص كمنطقة جديدة للإستثمار،
ونستطيع أن نجزم أن الأخوان كانوا في صف الحرس الجديد.
لم يكن في مخيلتنا ونحن نخرج للتظاهر
يوم 25 يناير 2011، ونحن نخوض معارك الشوارع ضد وحشية الشرطة يوم 28 يناير، ولا
ونحن نعتصم بالميدان أن خروجنا حسم الصراع ما بين الحرس القديم والجديد، وأن
التيار النيوليبرالي منهمك في حسم معركته بقيادة الأخوان هذه المره الذين دخلوا في
سلسلة طويلة من التحالفات والمناورات السياسية مع المؤسسة العسكريه، تضمن لكلا
الطرفين نصيبه المفضل من الكعكه، وتضمن سيطرة تامة للجناح الأكثر يمنية سواء
العسكري أو المدني السيطرة المطلقة على أقطاعيته الاقتصاديه.
طبعا لا ننسى ذكر أن النيابة العامة
قد تصالحت منذ أسابيع قليلة مع جمال مبارك في أحد قضايا الفساد المتهم فيها وأسقطت
عنه التهمة مقابل غرامة قدرت بالمليارات، ولا نشك أن تصالحات أخرى في الطريق قد
تبيض صفحته تماما، بينما تتناثر من بين صفوف قيادات الأخوان رسائل الايحاء
بإمكانية التصالح مع رجال أعمال النظام القديم خاصة المجموعة التي كانت أكثر
ألتصاقا بجمال مبارك، مما يتيح لهم تبييض صفحتهم والعودة لنشاطهم الطبيعي داخل
صفوف مشروع الفكر الجديد الذي اصبح اسمه (مشروع النهضه) ولعلنا لو أستمر هذا
المسار دون معوقات، أن نرى السيد جمال مبارك يعود ليتبوأ موقعا ساميا كخبير
اقتصادي ورجل أعمال بين صفوف حكومة الأخوان المسلمين.
ياسر عبد القوي
الحركة الاشتراكية التحررية- مصر
No comments:
Post a Comment