أعتذار لابد منه: أعتذر كثيرا لأي متابع لهذه المدونة عن تأخري في الكتابة، لكن ظروف العمل تحكم، ولمن لا يعلمون فالعمل هنا هو مزيج من حياة عبيد الأرض بالنظام الإقطاعي ونوع مطور من العبودية الرومانية، وما بين العمل لتسع ساعات وثلاث أخرى أقضيها في زحام المواصلات التي هي مخيفة لمدينة تحتوى سكانا اقل من حي بالقاهرة لا أجد يوميا لا طاقة ولا وقت سوى للنوم فأعتذر عن هذا التأخير وعن أي تأخير قادم.
بعد ذلك التأسيس التاريخي أعتقد أنه قد حان الوقت لأشير للغم الذي أنفجر بذاكرتي اللغم هو مقولة للكاتبة المصرية المنتحرة (أروى صالح)، واحدة من جيل ( السبعينيين) العتيد ، في كتابها ( أجراس العودة) كتبت هذه الجملة التي أقتبس:" الفتاة التي تواعد مثقفا لا تمني نفسها بنزهة فاخرة إنما تتوجه إلى مقهى كئيب يسقيها فيها شايا مغليا مرا ويبيعها أحلاما تقدمية لا تكلفه سوى ارخص بضاعته .. الكلام .. كلام لم يعد يعرف هو نفسه أين استقر موقعه الأخير من روحه وتتطلع هذه الفتاة البرجوازية الصغيرة إلى عدالة حيث تحاصرها كل صنوف القهر وأحيانا المهانة .. أو تكون فتاة برجوازية تجرب التمرد . ويتكلم المثقف عن أشياء كثيرة أهمها الحب الحر الذي لا يحتاج أموالا لممارسته ولا مسئوليات لذلك يندفع فيه المثقف بثبات يعوزه أحيانا في مواقف لا تقل أهمية .. ولكن المسئولية الشخصية كما يتضح في آخر القصة – القصيرة غالبا – يتحملها طرف واحد هو المرأة فتدينها بيقين جلسات المثقفين الخاصة لتحولها في أحكامهم إلى( مومس)...أما مسئوليته هو تتمخض في النهاية عن إنجاز آخر لفحولته .. فيتيه برجولته" تلك هي جملة ( أروى ) التي أزعجتني بالمرة الأولى التي قرأتها بها ، كما أزعجتني بكل مرة تنفجر فيها بذاكرتي، لقد التصقت في مكان ما بفوضى مخزن الذاكرة بعقلي، لتنفجر من حين لأخر وأذكر أنني علقت عليها وسط أصدقاء مثقفون وبحدة وأذكر أنني كتبت لأحد الدوريات حولها لكنني لا أذكر إن كانت مقالتي قد نشرت أم ل، لكنني أذكر ما ضايقني بتلك الجملة وقتها ومازال يضايقني، تلك الجملة صحيحة تماما لكنها لا تذكر سوى نصف الحقيقة، فهي لم تذكر مصير من يتورط بعلاقة مع ( مثقفة).
لكني أعرف هذا المصير وأعرفه جيدا فقد كنت على ( شبه –علاقة ) مع ( مثقفة)،وهكذا سأسميها فيما يلي من حكي مجرد (مثقفة)، كيف بدأت الحكاية؟
كنت أحاول إعداد ندوة حول ( شعراء النثر) أحدهم أقترحها كنموذج لشاعرة النثر الشابة، ببساطة اتصلت بها وحددنا ميعادا للقاء بكافيتريا يحج أليها الموسرون من المثقفين ورقيقي الحال من الفنانين أنصاف المشهورين، لكن كيف يمكنني أن أصفها؟ عجيبة كانت مع ميزة خاصة هو تناقض تصورها عن ذاتها مع حقيقتها، وهو تناقض كان من الحدة لحد مرضي، مبدئيا على المستوى الشكلي كانت تسيطر عليها فكرة أنها (مُزه) ومثيرة وجذابة للرجال،وهاهنا علي أن أقول جملة أعتراضية،مبدئيا تكونت الحركة الثقافية القاهرة- وغالبا ما زالت كذلك- من أبناء أقاليم زغللت أعينهم أضواء المدينة، جاءوا من واقع أجتماعي قاس ليعيشوا على حافة الأفلاس في بؤس ظاهر، يحمل أغلبهم قدرا عجيبا من الخبث الفطري والميل للتسلق وممارسة النفاق والإدعاء خصوصا وأن أغلبهم متوسط الموهبة أو حتى لا يمتلك منها سوى طبقة خفيفة هزيلة تغطي تسطحا ثقافيا وبدائية فكرية، تدعي أغلبيتهم الساحقة ثورية زائفة تشبه نباح الكلاب الجائعة خارج البيت فإن أٌدخلت وأعطيت بقايا المائدة رضيت وبصبصت بذيلها،وهكذا ثوريتهم ينبحون في وجه النظام لأنهم خارجه فإن فتحت لهم الأبواب أو حتى كشفت لهم أغطية صناديق القمامة هرعوا ليكونوا أكثر الموالين ولائا، إلا أنهم جميعا عانوا من كبت جنسي مؤلم ورغبة لا تكبح فأعتبروا كل إناث الحركة الثقافية (مٌزز) مثيرات جديرات بالأعجاب خاصة إذا ما كن مستعدات لإرضاء تلك الرغبات التي يطول كبتها، إضافة إلى تراث الحركة السبعينية الذي جعل من الحرية- أو الانفلات حقيقة- الجنسية أساس من أساسيات الفعل الثوري والذي أستمر فاعلا بالأجيال التالية سواء بالتأثير المباشر أو غير المباشر للكائنات المحنطة زمنيا التي تبقت من تلك الحقبة.
يتبع