سيادة الرئيس
جمال عبد الناصر
كل سنه وسيادتكم طيب
أعتذر عن نسيان عيد ميلادك هذا العام، تصدق هو يفرق يوم عن عيد ميلاد أبي وأنا نسيته كذلك هذا العام
معلش
العتب على السن بقى، والغربة، والمسئوليات
سيادة الرئيس
مرت سنوات طويلة جدا منذ تلك الأيام التي كنت أعلق فيها صورتك على جدران غرفتي
لم أعد ذلك المراهق الرومانسي الذي كان يضع صورتك فوق سريره وأمام مكتب دراسته
اكتسبت الكثير من وقتها
وخسرت الكثير أيضا
اكتسبت الكثير من الوعي والفهم والإدراك
وخسرت الكثير من تلك البراءة والبكارة الأولى في القلب والروح
أعترف أنني وصمتك بالديكتاتورية ومازلت وسأظل
أتهمتك بعدم العمق السياسي وبالتخلف الأيديولوجي وما زلت وسأظل
اختلفت وناضلت ضد من يرفعون أسمك رمزا لهم وما زلت وسأظل
تلك أساسيات
لنضعها جانبا
لا أكتب لك هذا الخطاب لأناقش السياسة والأيديولوجية
أكتبه لأتحدث إليك مصري لمصري
وطني لوطني
إنسان لإنسان
وأنا أعترف بأنني لا استطيع ولم أستطع ابدا تحليل مشاعري تجاهك
أختلف معك فكريا في أغلبية ما طرحته وأمنت به
وأتفق معك في ذلك الحب الجارف لهذه الأرض المقدسة التي أنبتتنا
لمصر
لا أكرهك
بل ربما حتى أحبك
لأنني مصري أولا وأخيرا وقبل كل شىء
وككل المصريين ما زلت أحلم برمسيس الثاني وحور محب وتحتمس الثالث، وتداعب خيالي أحلام خيمارويه بن طولون، وعلى بك الكبير، ومحمد علي، وجمال عبد الناصر.
ما زلت في أعماق روحي فرعونيا أحلم بالمجد، أحلم بالعظمة، بالإمبراطورية
ما زلت في أعماق روحي شوفينيا أرى مصر فوق العالم كله
ما زلت فرعونيا أكره هذا الضعف والخنوع والذل
أكره سيطرة رعاع العبرانيين وحثالة شعوب الرمال على مقدراتي
أكره أن أغترب عن وطني في مدن الكثبان، ولا تصافح عيناي كل صباح سمائك يا مصر
لم تعد رءوسنا مرفوعة يا ريس
لم يعد بقلوب الناس أمل
لم تعد لخمس فدادين قيمة
ضاع الكثير
الوطن بكامله على وشك الضياع
يحكمنا أزبل وأسفل وأحط ما ترك الهكسوس من سلالة
كم من هذه الخطايا يمكننا أن نحملك يا ريس؟
على ماذا يمكننا أن نحاسبك؟
على أنك لم تثق بنا؟
لم تثق بشعبك
وثقت بحاشيتك ولم تثق بنا نحن
من أحببناك وهتفنا من أجلك
أنت النابت من وسط الغلابه ، لم تثق فيهم
فضاع كل ما بنيت
وضاعت البلد أو تكاد
أعتذر مرة أخرى يا ريس
فلم أكتب هذا الخطاب لكي اختلف معك
كتبته لكي أشكرك
أشكرك لأنك كنت بجانبي في هذه الأرض الغريبة
أشكرك لأنني حين احتجت أن يكفلني شخص ما بفيزا زيارة حين أتيت هنا للمرة الأولى
أجلسني ذلك اليمني العجوز الطيب بجانبه ورحب بي ومنحنى كفالته دون سابق معرفة ودون مقابل
لماذا؟
لأنه يحبك يا ريس
لأنه يحب جمال عبد الناصر
لأنه يعترف بفضلك وبفضل شعبك على شعبه
فقط لأنني مصري مثل جمال عبد الناصر منحني تلك الكفالة وأنقذ مغامرتي في الغربة
كنت جالسا معنا يا ريس
ومن قبرك منحتني فرصة لم يستطع ذلك الحي المدفون في قصره أن يمنحني اياها
شكرا يا ريس
ولو أنها أتأخرت كتير
كل سنه وأنت طيب