الصاله كما هي تقريبا، الوقت ليلا، تبدو من النافذة أضواء المدينة تلتمع بعيدا، إلى اليسار قليلا على الأرض مرتبة أسفنجية من النوع المزود بسوست داخليه، موضوعة بشكل منحرف ، يتكوم عليها لحاف من النوع المحشو بالألياف الصناعية، مهوش وملقي حوله بضعة وسائد ومنشفه، يبدو الأمر كأنما شخصا ما كان ينام على المرتبة منذ برهه، يسمع من الداخل هو يغني بصوت مرتفع: يا أم المطاهر رشي الملح سبع رشات، في مقام الطاهر روحي وقيدي سبع شمعات، يا عريس يا صغير علقه تفوت ولا حد يموت لابس وصغير وحتشرب مرق الكتكوت، يرتفع صوته كثيرا في المقطع الأخير، صوته أجش ونشاز وتبدو فيه آثار ألاف السجائر ومئات أحجار الشيشه التي دخنها.
يدخل هو ممسكا بسيجارة وفنجان قهوه وقطعة من الكيك، يرتدي سروال رياضي على فانلته الداخلية، شعره مبلل ، ويبدو كما لم يستيقظ تماما من النوم ، يجلس على الكرسي البلاستيكي أمام الكمبيوتر متثاقلا ويداعب الماوس، ينهش قطعة الكيك بحيوانيه وينثر الفتات حوله غير عابئا، يزيح ما أكله بجرعة من فنجان القهوه، ويمضغ، يتوقف عن المضغ ويحدق في المونيتور
هو:(مبهوتا) يا خراشي، أيه ده؟ (ضاحكا) هاهاهاهاها يخرب بيتك، هاهاهاهاها، تتحول ضحكته إلى سعال مرتفع..كح كح كح كح، هاهاهاهاها، مش معقول(يهتف) أيه النيله دي؟ يا ولاد الأيه، هاهاهاهاهاها، كح كح كح
من الداخل نسمع صوت أنا يسبه سبابا فاحشا
أنا: (ناعسا وغاضبا) أسكت يا سلالة القرود يا واطي يا رمه، يخرب بيتك
هو: (يهتف به وهو لا يتمالك نفسه من الضحك) نوم أيه يا زفت أنت، تعالى شوف، تعالى، أصحى بلا نوم بلا قطران
(يخرج أنا من الداخل مهوش الشعر يرتدي تي شيرت وشورتويحمل فردة حذاء في يده، يرتسم على وجهه تعبير عميق من الغضب والضيق)
أنا: (ضاغطا على اسنانه) أنت أتجننت يا بني سعدان أنت؟ عموما أنا عارف علاج أعقلك بيه يا رمه( يرفع الحذاء ملوحا به) أنا حأربيك، على نهيقك ده أنصاص الليايلي من غير أحترام لبني أدم عندهشغل الصبح ومش صايع زيك نايم طول اليوم.
هو:(بتجاهل ومستمر في الضحك) سيبك من غباوتك في الكلام دي، تعالى بص بس وأنت تهلك من الضحك كمان، تعالى بس عبال ما اصب لك أخر قهوه في الكنكه (يترك له مكانه ويتجه للداخل)
أنا: (يجلس على الكرسي، يحك شعره وصدره، يلتقظ نظارته من على رف جهاز الكمبيوتر ويحدق في الشاشه) - يغمغم- فله...منفله، هنري، لاهوت، نرجس، صلاح سالم، مش فاهم.... (يرفع صوت) الله..الله..الله أيه ده؟
هو: (داخلا من المطبخ يحمل فنجان قهوه) - يضحك- شفت؟ شفت صاحبك؟ الولا ضرب رسمي
أنا: (محدقا في الشاشة لم يزل) أيوه ده ضرب فعلا وضرب خالص، أيه الهرتله والتهطيل ده؟
هو: معلش ، له حق برضه، أنت عليت الفولت عليه قوي يا صاحبي، وبعدين ولعت النار من فوق ومن تحت، ليه حق لما يشيط ويعمل الزروطه دي.
أنا: (يلتفت إليه بتعجب) فولت ايه ونار ايه يا عم؟ هو أنا عملت له حاجه؟ أنا جيت جنبه، بس خلاص ربنا يسامحه، زي ولادي برضه، ومش حأسمح لك تأبح عليه
هو:خلاص يا عم، خد قهوتك وولع كده عشان تحلو لأني نفسي أرغي معاك شويه
أنا: (ينظر للسقف) ياربي، سهرة أيه بس، أنا ورايا شغل الصبح، شغل يا بني أدم، مش فاضي أسهر معاك
هو: (يتجه للمرتبه، ويزيح اللحاف بعيدا ليخلي لنفسه مكانا ليجلس مقرفصا) شغل ايه يا عم؟ أنت فاكر نفسك بتشتغل في النيوزويك؟ قلي بس عشان عاوز أخد رأيك في موضوع مهم
أنا:(مستسلما يشعل سيجارة ويرشف من قهوته) ماشي، أيه الموضوع ده؟ نويت تنتحر خلاص؟
هو: لا يا عم هو أنا برضه ممكن أعملها من غيرك؟ ما تهونش عليا أسيبك حي من بعدي، لأ بجد أيه موضوع الخلاص ده ألي بيدوروا عليه؟ جابوا التعبير ده منين؟ تصدق أنا كنت الأول فاكرهم بيتكلموا عن الخلاص بتاع المواليد، المشيمه يعني..هاهاهاهاهاها
أنا:(غاضبا) أنت رايق قوي، أخش أكمل نوم أنا بقى
هو: لا بجد، خلاص أنا جد أهوه، قول لي أنت شايف موضوع الخلاص ده أزاي؟
أنا:(يضع قدما على قدم ويرشف قهوته) فاكر أسكتش جورج كارليل بتاع الوصايا العشر؟ كان بعلق على كلامات زي دي بقوله أنها
SPOOKY LANGUAGE
لغه مخيف، مشفره، نوع من الرطانه المبهمه المقصود منها منح الكلمه في حد ذاتها قوة تتجاوز ما تشير إليه كمصطلح كلمات مثل الخلاص، الكفر، الزندقه، الأستشهاد، التضحيه، الولاء والبراء، الخطيئه، وغيرها وغيرها من الكلمات التي تكون اللغه المقدسه للمنتج الديني، طبعا الديانات الأبراهيميه التلاته بسيطه جدا في تعاملها مع اللغه المشفره مقارنة بأديان اقدم كانت معقده جدا في تعاملها مع رمزية اللفظ المقدس
هو: يعني مالهاش معنى خالص مثلا؟ أيه يا عم الكلام ده؟
أنا: لا يا سيدي لها معنى، لكن معنى أصطلاحي مبهم مسكوت عن تفسيره أو وضع مفهوم محدد له يجمع الكل على استخدامه، وتقريبا كده الخلاص هو اشبه بحالة أستقرار الشحنه في الجسيمات، أن يفقد الجسم شحنته ويستقر في حالة من الركود المسالم الغير فعال، عارف المشكله أن الأيمان بالأديان الابراهيمي واجه مشكله مركزيه هي أنه بسيط جدا لكنه في نفس الوقت كان مضطر يتعامل مع تراكم هائل لفلسفات وأديان شديدة التعقيد والتركيب بل وحتى العدوانيه الفكريه، كان الأباء الأوائل للأديان مضطرين يخلقوا من المادة الخام البسيطه ديقلعه فكريه هائهل قادرة على التصدي لهجمات تنانين الأديان والفلسفات المخالفه
هو:(متسليا) الله، هي الأديان والفلسفات التانيه كمان تنانين؟
أنا:(مبتسما) أيوه عشان ما تزعلش بنت القمر ألي فاكره قوي تعبير تنين ثلاثي الرءوس
هو: لكن ما تنكرش أن مفهوم الخلاص أو الوصول للايمان أتعمل عليه شغل فكري وفلسفي كبير ، خد عندك القديس أوغسطين والأمام الغزالي الكبير
أنا:(يشعل سيجاره من أخرى) أنت رأيك كده؟ عارف مسلسلات رمضان لما الكاتب يقعد طول الشهر يعقد فيها ويركب علاقات وأحداث ويشبكها مع بعض وبعدين ييجي في أخر نص ساعه من أخر حلقه يحل كل حاجه بضربه واحده؟
هو: أيوه الحلقه بتاعة يوم الوقفه ألي ماحدش بيشوفها
أنا: كلاهما فعل نفس الشىء، لف ودوران ومعضلات وفلسفه وشك وخروج وتمرد وعماره فكريه وعقليه مهوله وبعدين ييجي في الأخر يهدها بضربه واحده غير مبرره تكاد تصيبك بالجلطه من تعسفها وتصنعها، القديس أوغسطين يلف يلف وبعدين يأتي بأعجب حل في الدنيا
هو:(ينهض واقفا وينفخ صدره ويلقي بخطابيه مسرحيه) الفلسفة هي ما تذهب اليه المسيحية واناجيلها حصراً، في حين ان الفلسفات الوثنية لا تعدو لاهوتية زائفة. اذ الحقيقة واحدة هي حقيقة الله التي تتجوهر فيها العقيدة المسيحية، والوصول اليها هي السعادة التي هي الاستمتاع بحقيقة الله
أنا: (يبتسم) ده أنت حافظ الكلام أهوه
هو: (يجلس بابتسامة خجول) ما أنت عارف أنا من المعجبين بأوغسطين عموما
أنا:(مندهشا) عجيبه ، عمرك ما قلتي لي الكلام ده، معجب بيه ليه بقى؟
هو: عشان كلام زي ده، كلام كبير وضخم ولامع ومهيب ورهيب وخلاص، مالوش معنى، الجمله تناقض بعضها وتناقض الجمله المجاوره لها، والفكره تهدم سابقتها وتخلخل لاحقتها، وفي النهايه الموضوع كله لا منطقي نهائيا
أنا: مش قوي كده ما تنساش أنه له تعديلات قيمه على الأفلاطونيه، ولا اقول لك بعدين الفلسفه بقى أصلخها حرام بعد نص الليل
هو: تصدق أنا ميال للمتصوفين المسلمين في الموضوع ده
أنا: (متشككا) أنت ايه حكايتك؟ أنت أسلمت أمتى يا أخ؟
هو:(متجاهلا) القضيه هي أن كل الشغل الفلسفي الديني أنتهى بنواتج تسىء لكل من الدين والفلسفه، على مستوى الديانتين، محاولتهم لأخضاع التفكير المنطقي البارد للفلسفه الهلينستيه للفكره الدينيه أدي إما لتخاريف غير مفهومه أو لحاله عنيفه من الزندقه المكتومه والمسكوت عنها، لكن المتصوفه كانوا أكثر صدقا وفي رأيي أكثر نجاحا في تبنيها للفلسفات التصوفيه الشرقيه وتحليقها في فضاء أبداعي شعري عجيب، بداية من الشعريه السرياليه عند أبن عربي في الفتوحات المكيه، الشطحات الشعريه التأمليه عند البسطامي، المزيج الخرافي ما بين الفلسفه والرياضيات والشاعريه السرياليه عند شيخي وسيدي الحسين بن منصور الحلاج، والتأمل الفلسفي الروحاني العميق عند النفري في المواقف والمخاطبات، الحقيقه حين اضع مثل تلك الدرر الفكريه والأبداعيه أمام تلفيقات حجة الأسلام الغزالي وحجرية أبن تيميه وضيق أفق ابن قيم الجوزيه أشعر كأن كلا من الفريقين ينتمي لكون مختلف عن الأخر، وأكيد أنا لا أنتمي للكون الذي فيه الغزالي والجوزيه
أنا: لكنهم كفروهم، ثم لا تنسى ما تركوه عميق صعب معقد مربك
هو :(يعتدل على ركبتيه) ومن قال أن العالم بسيط مسطح بدائي؟ الوجود شىء معقد جدا وشديد التركيب، من هنا تأتي روعته وجماله وبهجته، أنا فاهم أن أغلبية الناس يمكن محتاجين المسائل تبقى بسيطه وواضحه وأحاديه ومسطحه، قاعدة هات من الأخر وأديني الخلاصه، وكل ما يحتاجون مقولات نهائيه مغلقه غير قابله للتحليل أو التفكيك أو حتى المراجعه، جمل زي دي يا سيدي ( ينهض ويتجه للكمبيوتريداعب ماوس الكمبيوتر ناظرا للشاشه) دي من موقع الشيخ السعودي الوهابي سفر الحوالي في تعريف مصطلح (اهل السنه والجماعه) بيقولك أيه بيقول هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، وهم سلف الأمة الذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع في أصول الدين وفروعه، وقد ظهر مصطلح أهل السنة في القرن الثاني لما كثرت الأهواء والفرق، فتميزوا عن غيرهم بهذه التسمية.
يعني أيه؟،بجد فعلا يعني أيه الكلام ده ؟ فسر الماء بعد الجهد بالماء العبقري، لأ وشوف السجع في تركيب الجمله والطباق اللفظي، حاجه كده أقرب للتعاويذ السحريه، وشوف يا سيدي الجمله دي من تعليق في أحد المدونات
فعلا الاسلام لما نزل اعطى للمرأه كل حقوقها بل الاسلام هو وحده الذى كرم المرأه وجعل لها الكيان
يعني أيه الجمله دي برضه؟
أيه كم المطلقات النهائيه العجيب ده؟
أيه اليقين الرهيب ده كله؟
أنا: (يدفعه برفق بعيدا عن الكمبيوتر) طيب أهدى شويه بس، أعصابك، ما تعملش في نفسك كده أنت راجل صاحب عيا
هو: (عصبي) شىء يغيظ يا أخي، طوال قرون لم يكفهم دورهم كمتحدثين بأسم المقدس وهو الدور الذي لا حق لهم فيه أصلا، ما كفهمش دور رجال الدين كان يجب أن يصبحوا رجال فلسفة أيضا، عقدوا ما كان بسيطا رائقا سهلا وحولوه لمسخ مخيف مرعب لا يمكن التعامل معه إلا بأستسلام تقدم فيه عقلك ومنطقك أضحية لأنيابه الوحشيه أو أن تهاجمه لتقضي عليه، عجزوا عجزا فاضحا عن وضع أي بنية فلسفية أو منطقيه تشبع العقول النهمة للحكمه والتراكيب الفكريه وفي نفس الوقت حرموا البسطاء أيمانهم البسيط ورموهم في لجة الرعب والخوف والأضطراب واللاتأكد.
أنا:( ببراءه) لكن كيف تقول ما تقول وربنا عرفوه بالعقل أساسا
هو: (محدقا بأندهاش لبرهه) وقعت منين الجمله دي؟ جملة عرفوه بالعقل دي جت منين؟ هي ايه مثلا ولا حديث ولا مكتوبه بالأبر على اماق البصر لتكون عبرة لمن يعتبر؟ جمله مغلقه كرويه مطلسمه، يعني ايه؟ أولا الجمله تشير لتناقض مدهش في منطق المشتغلين بالدين، يبدأون بالقول أن الله عرفوه بالعقل وينتهون لقول أن العقل قاصر وعاجز، طيب كيف يعرف الكلي المطلق اللانهائي المنزه عن كل شبه بواسطة ما هو محدود وقاصر ونسبي ؟، أي أله ذلك الذي يعرف بالعقل؟ يعرف بالعقل أي أنه يمكن أخضاع وجوده وكينونته للمحاكمه العقليه المنطقيه، إذا كيف يكون ليس كمثله شىء وهو يخضع للمحاكمة العقليه المنطقيه بينما العقل البشري لا يفكر إلا عبر ما يمتلكه من خبرات، والله ليس كمثله شىء إذا هو خارج أي خبرات عقليه سابقه فهو في النهايه لا يمكن أخضاعه للمحاكمه المنطقيه إذا لا يمكن معرفة الله بالعقل أو المنطق أو المنهج الرياضي.
أنا: (مبتسما) طيب يتعرف أزاي سعادتك؟ ولا أنت قصدك أنه لا يمكن معرفته أبدا مثلا؟ وأنه خفي على الإدراك؟
هو: أنا مش غنوصي يا كابتن، الغنوصيه مسليه أي نعم لكن أنا مش غنوصي، الله أو الخالق من الممكن أدراكه بالقلب، بالروح، بالمشاعر
أنا:(مقاطعا) أستنى أستنى، ما أنت أهوه بتقول جمل مطلسمه أنت كمان، قلب وروح ومشاعر أيه؟ يعني أيه؟
هو: (ينهض ويتمشى جيئة وذهابا) أشرحها لك أزاي؟ الايمان مسألة ضمائرية اساسا، مسألة أن تقتنع ضمائريا بالأيمان، أن يتسق مع توازنك الروحي والنفسي، أن يلبي حاجة نفسية ذاتية لديك تخضع لتصورك أنت شخصيا ومفهومك الذاتي، الأيمان موقف ضمائري نفسي وليس منطقي عقلاني، هناك الكثير من الأشياء التي نقبلها نفسيا بل ونتعصب لها ونحن نعلم أنها لن تصمد لثلاث ثوان في أي محاكمة منطقيه، أنا مثلا مؤمن وبكل عمق أن أمي هي أكثر أمهات العالم حنانا ومحبة، طبعا جمله لا تصمد أمام أي أختبار عقلي، لكنني نفسيا أقبلها وأتبناها ضمائريا، هناك منطقة من الوعي البشري ربما تتصل أكثر بلاوعي الأنسان، منطقة يستقبل فيها الموسيقى والشعر والعواطف والمشاعر والأبداع والفن والأيمان كذلك، منطقة هي أساس ومركز أدراك الأنسان لذاته الخاصه وصورته الذاتية عن نفسه وعن من يكون، هذه هي منطقة الدين الحقيقية، دين البسطاء الذي هو بطبيعته درجة بسيطة من الوعي البشري، الذين لا يهتمون كثيرا بالاتباع الصارم للنصوص والتفسيرات المعقجدة والمركبة، كل ما يطلبونه ويريدونه هو قدر من التعزيه والطمأنينه وخلاص.
أنا: في تعليق عبقري قريته من يومين في مكان ما وأعتقد أنه كان لشخصية مسيحيه يقول أن الله خلق الدين ليغير الأنسان لا لكي يغير الأنسان الدين، ويتعجب من أن الناس يحاولون تغيير الدين، مش شايف أنه ده ممكن يكون وجهة نظر لها وجاهتها؟
هو: عارف أقول لك واحده من المشاكل العديده التي تواجه الكائنات البشريه في الشرق الأوسط، الناس ما سمعتش نهائيا عن أي حاجه لها علاقه بمفهوم الأبستمولوجيا التي هي ببساطه دراسة المعرفة العلمية في نموّها، في بنيتها وفي أسسها. ممكن نسميها العلم الذي يبحث في العلم نفسه، الدين غيره البشر في اللحظه التي عرفوها فيه، الناس متخيله المعرفه البشريه بشكل عجيب شويه، متخيله أنها زي كاوتش العربيه نشيل فرده ونحط فرده جديده والعربيه تمشي، تهريج طبعا، المعرفه البشريه تراكميه، جدليه، أي دين كما وصلنا الأن هو محصلة تفاعل جدلي مع كل الأديان التي سبقته أو مرت به، البشر اضافت وحذفت من الأديان، ولو على مستوى الفهم أو التفسير أو التعليل، الأديان كلها تحمل تأثيرات مختلفة لأديان أو أفكار أخرى، فكرة الدين النقي المجرد الذي لا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء فكره خرافيه تماما، لا يوجد ديانه أزاحت أخرى من عرش السيطره دون أن تتأثر بها وتأخذ منها، البشر لا يمكن تتمحى ذاكرتهم في لحظه ووعيهم يزول تماما ويكتسبوا وعي جديد أنيا، لازم يمزجوا جزء من القديم مع الجديد، يعملوا حالة متوسطه تميل في هذا الجانب أوو ذاك لكنها لا تميل مطلقا لأي جانب بالكليه
أنا: أقولك بيفكرني بأيه كلامك، أمي وهي أمرأه متدينة بسيطة الأيمان رغم أرتفاع مستواها التعليمي معلقه على باب شقتنا من الداخل تعويذه عباره عن كف فيه عين حورس وخرز أزرق ومحفور عليها اية الكرسي، تلات رموز مختلفه لتلات مراحل حضاريه مختلفه لتلات مواقف ايمانيه مختلفه كل توصل لمحصله واحده هي الحماية من الشر، أمي لم تجد تعارض ما بين عين حورس الأله الوثني وما بين اية الكرسي
هو: بالظبط دي فكرتي أحترام صيرورة المعرفه البشريه والتوقف عن معاندتها، أنت عارف أيه فكره خرافيه كمان لا تقل خرافيه عن الموضوع ده؟
أنا: أيه؟
هو: ألغاء الدين بالكليه، فاكر كلام هيومان؟
أنا: وحياتك ما تفكرنيش، الجدع ده رغم أني بأعجب بارائه ومندهش بمستوى قصصه إلا أنه بيحسسني أنه فاكر أني بأمص صوابعي مثلا أو بأقرأ كتب رجل المستخحيل مثلا
أسمع يا سيدي (يقرأ ) اما كيف يكون الانسان ملحد ويدافع عن دين معين فانا اعرف هذة الحالة وكنت فيها لفترة ومازلت اعرف كثيرين عليها- قال يعني هو كان صغنن وكبر وأحنا لسه صغننين ما وصلناش للمستوى ده من الوعي، وأسمع دي كمان
فى عصر كهذا ومجتمع كهذا يصبح الدين هو العدو الاكبر والاقرب
هو: (مبتسما) أقول أيه؟ برجوازي صغير عادي جدا وكلاسيكي، سيطرة الدين ليست المشكله، سيطرة الدين هي عرض من أعراض المشكله، الألتجاء للغيبيات ناتج عن فقد القدره على السيطره بالماديات، عدم التحقق أو اليقين من أن الفعل المادي سيؤدي للنتيجه المنطقيه له يجعل الناس تلجأ للفكر الخرافي، لو أنعكست الأيه لتغير موقف الناس تماما، الموضوع ده من كلاسيكيات الأدبيات الماركسيه، أما بقية الكلام فعادي يعني من الناس ألي مش عارفه يعني اي يسار أو ماركسيه، اليسار لا يستلم السلطه بمعجزه ، اليسار يستولي عليها بالنضال والصراع سواء السياسي أو العنفي، وأثناء هذا الصراع هو يفكك ليس فقط البنيه التحتيه للمجتمع لكن أيضا بنيته الفوقيه، برضه كلاسيكيات الأدبيات الماركسيه، عادي يعني،ألغاء الدين بالكليه يساوي عملية بتر جزء كبير من الوعي البشري، لو حتى كانت ممكنه سيصاب الوعي البشري بعاهه مخيفه تجعله كسيحا للأبد، الموقف الحقيقي هو أعادة الدين لوضعه الطبيعي كموقف ذاتي وشخصي وعلاقة ذاتية بين الأنسان والخالق والتوقف عن ترديد مقولات جواسيس وعملاء المهلكه السلوليه القابعة شرق البحر الأحمر، عموما غالبا صاحبك رامز حيقولك الكلام ده مكتوب في كتاب كذا وكذا للاب فلان الفلاني بتاع اللاهوت الجديد
أنا: (يضحك) بجد اللاهوت الجديد من كلامه عنه جنني خالص حاسس أنه حاجه كده شبه المسيحيه لغير المؤمنين، شكله ممل أكتر من البروتستانتيه، عموما لما أنزل مصر ابقى أدور على كتب في الموضوع
هو: (متجها للداخل) طيب جميل أنك بتضحك على الموضوع ومش زعلان
أنا: (يستدير للكمبيوتر ويعبث بالماوس) - يحدث نفسه- حرام عليكي يا ابي أيه ده كله بس؟ أيه الذعر ده كله؟ صدمتيني وفرح العمده الي عندك ده ناقص يلبسك خيمه وحزام ناسف ويبعتك تورا بورا
هو:(يخرج من الداخل مرتديا ثياب خروج وحاملا حقيبة تبدو نصف خاويه) أسيبك أنا بقى
أنا: (مندهشا) تسيبني ؟ وتروح فين يا عم ؟ ما أنت مليني
هو: غالبا أنت محتاج تبقى لوحدك شويه ، وغالبا انا كمان، ويا بخت من زار وخفف
أنا: حتغيب عليا
هو: مستحيل، أديني رنه بس تلاقيني عندك
أنا: حتاخد بالك من نفسك؟
هو: ما عنديش غيرها أخد بالي منها، سلام بقى
أنا: سلام
(يتعانقان)
(يخرج هو ويغلق الباب خلفه)
أنا: (يتجه للكمبيوتر، يشعل سيجاره ويبدأ في طرق لوحة المفاتيح)
أظلام
تمت